يقول ماكس فايبر ان حركة تطور المجتمعات الأوربية تعود إلى العقلانية والتي تعنى الحركة الاجتماعية التي تحركها الغايات والحسابات وليس الدوافع العاطفية ، اسقاط هذا القول على واقعنا الراهن يظهر حقيقة ان العقلانية مطلوبة في الوقت الراهن من الجميع وعلى رأسهم شباب الثورة وذلك من أجل تطور متواصل في الواقع السياسي يقود الجميع نحو اكتمال هدف الثورة في بناء وطن حر ديمقراطي.
اكتمال هذا الهدف مرهون بشكل كبير بالقراءات الواعية لواقع البلاد وكتلها وطبيعة الاتفاق السياسي المبرم بين المدنيين والعسكر لإنجاز فترة انتقالية ترسى أساسا متماسكا لتطور البلاد، القراءة العقلانية ستوضح حاجة هذه الفترة لكل جهد سوداني مهما صغر في نظر البعض ومهما أتهم في نظر الاخرين، البلاد مازالت تعاني من الحروب والمشاكل القبلية والنعرات العرقية ويسود فيها الجهل والتخلف، بلادنا ليست الخرطوم فقط، هي ليست بيوتا جميلة وجلسات شاعرية داخل مقاهي الخرطوم، ليست أمسيات حالمة تدندن فيها أصوات الفنانين، بل هي بلاد مليئة بالألم والمعاناة، ٦٧% من الشعب السوداني لا توجد لديه كهرباء ، أكثر من ٧٠% من القرى السودانية لا يصلها الأسفلت وتعاني الأمرين في النقل والتنقل ببضائعها ومرضاها، ٣٠% من أطفال المدارس في السودان يفترشون الأرض وآلاف المدارس السودانية مبنية من القش ومئات المدارس بلا مباني اصلا ويدرس الطلاب في العراء، الماء الصحي حلم عند ملايين السودانيين، البعض من سكان هذه البلاد يقطع مسافات مرهقة على الأرجل أو الدواب من أجل الوصول إلى آبار الماء.
هذه هي بلادنا التي لا نمل من عشقها ولكن يؤلمنا حالها، الإنقاذ ومايو زادتا المأساة السودانية مآسي بالحروب، وكل ذلك لأن النهج الشمولي يقصي أبناء البلد من المساهمة في بناءها ويشعل معهم الصراعات والعداوة ليواصل السيطرة على الحكم بالحديد والنار، الثورات الشعبية قامت على هذه الشموليات لأنها حكومات إقصائية، عليه لا مكان للاقصاء في وطن الثورة، الإقصاء لسدنة الشمولية فقط ولامد محدود يتم فيه محاكمتهم واستخلاص ما نهبوه ويمارسوا فيه نقدهم الذاتي، غير ذلك فالإقصاء ليس لغة الثورة، لغة الثورة هي الوطن للجميع، بلا تمييز ولا إقصاء.
العقلانية سوف توصل الجميع إلى الخلاصات أعلاه، فلماذا التردد في احتمال الاخرين؟ لماذا إغلاق الابواب؟ لو ظنت حكومة الثورة وحاضنتها السياسية انها تفعل خيرا بالأنفراد بالحكم فهي خاطئة، هذا النهج سيقود فقط إلى ذات الاتجاه، اتجاه إشعال الصراعات مع الآخرين في الوطن من أجل الاستمرار في الحكم أكثر، وماذا يفيد الحكم أكثر في بلد كلما لمست فيها موضعا وجدت جرحا غائرا وبكاء، ووجدت مأساة لا حل لها الا بجلوس الجميع، تحت ظل تبلدية او فوق سفح سهل او بين سرابات حواشة او فوق رمل الصحراء.
كان يمكن لتجمع المهنيين ان يكون عقد جلاد يضم فسيفساء الوطن عبر أجياله الجديدة، لولا اختطافه بواسطة بعض المتحزبين لكان بإمكانه أن يصنع من فسيخ تاريخنا السياسي شرباتا في عرس الثورة، ولكن الامل مازال مرجوا في قيادات هذا الوطن وفي شبابه وسياسييه، أن ينتبهوا للوحدة وان يعقلوا المرحلة الراهنة ويتعاملوا معها بروح النفير، فالبلاد تحتاج الجميع بلا فرز ، تحتاج جوا من السلام والمحبة يصنع المستقبل خطوة خطوة ويشرق في النفوس شمس الأمل وروح العمل والبناء، ليس مستحيلا ان نستعيد وحدتنا في اللحظات الحاسمة، فهذا البلاد علمتنا منذ اماني ريناس مرورا بسنار والمهدي ووحدة الاستقلال ووحدة الثورات أكتوبر وابريل و ديسمبر أننا شعب يصنع الوحدة ويحقق بها المستحيل، فهل عشمنا مبالغ فيه؟!
sondy25@gmail.com