فرح أهل الثورة المضادة بما حدث أمس من قمع مؤسف لتظاهرات (جرد الحساب) أمام مجلس الوزراء. وفي المقابل أحبط الكثير من شباب الثورة والحادبين عليها مما جرى لدرجة الغضب وإخراج الأنفاس الساخنة (جدا) في ردود أفعالهم التي يرصدها كل متابع.
أهل الثورة المضادة فرحوا لأنهم يرون أن أحسن وسيلة لهدم الثورة وإرجاع عجلة الزمان للوراء هي ضرب الخصم بالخصم، فهم يعتبرون أن العسكر هم الذين زجوا بقادة النظام الهالك في كوبر بأمر الثورة، ويحسون برغبة دفينة في الثأر من كل النظاميين ولو بجعلهم في مواجهة مباشرة مع قوى الثورة لتتكسر عظام الطرفين.
أما الثوار ومن يساندونهم فقد رأوا شبح لجنة البشير الأمنية يطل عبر بنبان الشرطة الذي استنشقوه رغم وعود الحماية، مثلما أطل، ذات الشبح، من قبل عبر تعويق مسيرة الإصلاحات، وإبطاء إيقاع المحاكمات لرموز النظام البائد، وتكبيل الوصول للحقائق في ملف فض الاعتصام، إضافة للضوائق المعيشية التي جعلوها في ذيل الاهتمام تفهما للكثير من الظروف!
ما جرى من قمع مفرط لا يمكن أن تقبله شعارات الثورة أو الرأي العام المحلي والدولي أو روح القانون التي يعشم فيها كل من يعيش على أرض الوطن. وأبناء الثورة يجب أن يكونوا على الدوام محل الاحتفاء والتقدير لا محل البطش والتنكيل.
مع ذلك تغيب التفاصيل الدقيقة عن لحظة القمع وقراءاتها الميدانية التي استدعت هذا السلوك، ففي كل الأحوال تظل الأخطاء واردة، والتقديرات قد تصيب وقد تحيد عن الصواب، ومثلما لا نرضى أن يضار أي من شباب الثورة الذي دفع الدم مهرا لثورته المجيدة وصبر على الكثير من المثالب والضوائق والإخفاقات، أيضا لا نريد أن نمارس الظلم على الشرطة كلها جراء أفعال معزولة، كما لا نريد لشرطتنا، بالطبع، أن تكون كائنا داجنا بلا مخالب أو أنياب نحتاجها ونوفرها ليوم كريهة وسداد ثغر !
ما جرى يجب أن يخضع لتحقيق سريع جدا وكشف كامل للحقائق بلا مواربة أو تسويف، فالإصابة هنا استهدفت العظم، وهل للثورة عظم أهم من شبابها ومفجريها ؟!
أما من أرادوا (ضرب الخصم بالخصم) فهم لا يعرفون أن النتيجة التي يريدونها ويطمحون إليها ستجعلهم يترحمون على أيام الثورة الحالية، لأن هدف الشارع النهائي هو الاقتصاص السريع والناجز من كل فاسد ولص ومندس ومتخبئ في كهوف الدولة العميقة، ولحظتها سيستيقظون على وهدة أعمق يسقطون فيها لتهيل العواصف عليهم ترابها بلا شفقة.
والغلبة في النهاية للشارع ولقواه الحية.