تأييد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك ضرورة
وطنية، لا تتعلق بالعواطف بقدر ما ترتبط بمصلحة البلد. وكلنا يعلم الولادة المتعثرة
للحكومة الانتقالية، وعلى رأسها اختيار رئيس الوزراء.
ويزداد إيجاد بديل للدكتور حمدوك عسراً بعد عامٍ شهدنا
فيه تباعداً وتنافراً بين مكونات الحاضنة السياسية “قوى الحرية
والتغيير”.
أنعش رئيس الوزراء ذاكرتنا بخطابه بمناسبة مرور عام
على توليه المسؤولية، وتناول أهم القضايا التي تشغله، مع ترتيبها حسب الأولوية.
وأشك كثيراً أن يفي سعادته بما وعد به، إذا ظلَّت
الحاضنة السياسية في تشتتها، وتنافرها، والدليل على ذلك تفاقم الأزمة الاقتصادية،
وتململ الشارع الذي قام بالثورة، ودعم قوى الحرية والتغيير، وقبلها تجمُّع
المهنيين، الذي أصبح واقع حاله يغني عن السؤال.
وفي ظني أنَّ الحزبين الرئيسين القادرين على إعادة
التوازن لقوى الحرية والتغيير، هما: حزب الأمة القومي، والحزب الشيوعي، لأنَّ
تنافرهما الشديد هو الذي يلقي، بشكل رئيس، بظلاله على الحاضنة.
وهذا يتطلب أن يبدي الحزب الشيوعي حسن النوايا، ويؤكد،
بالفعل لا بالقول، حرصه على عدم “التكويش”، وتحقيق المشاركة بين كل
القوى السياسية في سبيل أن تمضي الفترة الانتقالية إلى نهاياتها السعيدة، بإقامة
حياة ديمقراطية سليمة.
كما أنَّ على “الأمة القومي” السعي إلى
التقارب مع القوى السياسية، ومن بينها “الشيوعي”، وعدم إعطاء الإحساس
للآخرين بأنه “الألفة”، إذ اعتاد ألا يترك شيئاً في الساحة، إلا وجاء بطرح
نظري، وإذا كان هذا محمدةً، ودليلَ حيوية، إلا أن تنزيل الأشياء على الآخرين للأخذ
بها لا يتقبله المزاج السوداني.
إنَّ على “الأمة” التشارك مع الآخرين في نقد
الواقع، ومحاولة إيجاد حلول لمشكلاته، وتلمُّس سبل تجاوز مطباته، بدلاً من أن يطرح
الحلول من وجهة نظره، والظهور بمظهر من يلوي الذراع، ويضع “العقدة في
المنشار”.
لقد كان تحليل الأمة لمشكلات الحاضنة صائباً في كثير
من جوانبه، إلا أنَّ قبوله من الآخرين يظل صعباً، حتى إذا اقتنعوا بصوابه، ما لم
يكونوا شركاء منذ البداية، وهذا واقع حالنا نحن السودانيين.
إنَّ خطاب حمدوك أكد أنَّ الرجل لا يزال يتذكر قضايا
البلد الملحة، وأهمها: السلام، والاقتصاد، والقصاص، ومحاكمة رموز النظام السابق،
ولكن إذا حاولنا معه تقليب الدفاتر، سنلمس بطئاً واضحاً في كل بنود الأجندة
الوطنية، ولا يمكن تجاوز التأخير والتباطؤ، بل المتوقع مزيد منهما، ما دامت
الحاضنة على حالها، إذ ستظل الحكومة الانتقالية مكبَّلة، وغير قادرة على الانطلاق
نحو أهدافها بقوة.
وإذا كان السيادي يتولى رئاسته المكوّن العسكري
حالياً، فما الذي يمكن أن يحدث إذ آلت الرئاسة إلى المكوّن المدني الذي أساسه قوى
إعلان الحرية والتغيير.
إننا لا نريد أن نشيطن العسكر، ونذهب إلى الظن بأنَّ
أحلام البيان الأول لا تزال تراودهم، ولكن الحاضنة السياسية بممارساتها تغري
بالمغامرة، وتجعلنا نتوجس خيفةً من عودة الدائرة الشريرة، وهذا يستوجب أن نسألها
بكل مكوناتها: أليس منكم رجلٌ رشيد؟