• يبدو أن سعادة الفريق البرهان لا يرغبُ أن يتعلمَ من أمسِه أبداً.. فهو ما يزالُ مُصِراً الآن، مثلما كان مصراً قبل عام، بُعيد تواطئه، أو إيعازِه، أو أمرِه بفضَّ إعتصام القيادة مباشرةً، على اللهاث وراء تحقيق أمنيةٍ عزيزةٍ على قلبه، تصديقاً لرؤيا عزيزةٍ على قلب المرحوم والده، وهي أن يتولى حكم السودان منفرداً !! ففي صبيحة اليوم التالي لفضِّ الإعتصام ظهر السيد البرهان في التلفزيون وقال إنه قد ألغى ومزَّق كل إتفاقٍ عقده مع الحرية والتغيير، وقال إنه سيُجري إنتخاباتٍ مبكِّرة بدلاً عن ذلك، متحللاً من كل إلتزام مع ق.ح.ت، فهل تمَّ له ذلك؟! لا طبعاً لم يتم !!
البارحة، وبعدما صرَّح رئيسُ الوزراء أنه لا يحتكم إلا على أقل من ٢٠٪ من موارد الدولة، وأن ال ٨٠٪ المتبقية تجنِّبُها وتحتازُ عليها شركاتٌ أمنيةٌ وعسكرية، هاهو السيد البرهان يبدأُ الجقلبة، ويتحسس طبنجته، وقد تذكر ذات الحلم العزيز على نفسه، فيمتطي صهوة بزته العسكرية، ويتوجه إلى ثُـكنات الجيش، مستقوياً بها لتساعده، وتجعل له رؤيا أرتآها له والده حقا !!!
ربما لا يعلمُ السيد البرهان أنَّ وظيفة كل الجيوش المنضبطة، في كل دول العالم المحترمة، هي المحافظة على تراب الوطن ودستوره..وليس لأي جيشٍ منضبطٍ في العالم كله، وظيفةٌ، بصورة رئيسة، غير هذه الوظيفة..
ولأنَّ الإنقاذ كانت قد أفسدت كل شئ في بلادِنا، حتى الجيش، وقد كان قبلُ عليلا، ولأن غالب الضباط العظام على رأسِه الآن، كالسيد البرهان وغيره، هم ممن ترقَّى، وصعد في عهد الإنقاذ، فإنَّ غالبيتهم لا يرَون تشويه الجيش، وتدجينه، وإقحامه في عالم التجارة، والعمولات، والرشوات، والإستمالات، والإحتكارات، إلا أمراً طبيعياً !!
أنْ تدخلَ المؤسسةُ العسكرية في صناعة الأسلحة والعتاد والمعدات العسكرية، ولِما لهذه الصناعات من خصوصيةٍ وسرية، فهذا مما يُحمد لها، إذا أخذت بكل أسباب التحوطات الإدارية والمحاسبية اللازمة، ولكن أن تعتبر ذلك جوازاً لها لتدخل في صناعات النقل المدني مثلاً، والترحيل، والجزارة، وتصدير اللحوم، ومطاحن الدقيق، والمخابز، وتجارة الذهب، وفي شركات الإتصالات، وسفلتة الطرق، وتجارة السمك والدجاج، والفول والبيض فهذا هو الإنحراف عن الدور المرسوم الذي يُفضي إلى الفساد ! وأما السيد البرهان فلا يرى في ذلك غضاضة، بل يعتبره إمتيازاً ومحمدةً يجاهرُ بها ويفاخر، ثم يقول ‹ببراءةٍ› بالغة متوعِّداً ومهدِّداً، إنه لن يتنازل عن ‹تجارة قواته وشركاتها› تلك، ولكنه لا مانع لديه أن (يتعطَّف) فقط على الشعب السوداني ببعض المحاور المائية، وبشئٍ من بعض فتات الشركات الكاسدة، لتبيعها الحكومة، لتساعدها في إطعام الشعب الجائع !!
يا للعجب، ويا للدهشة !!
• هل يعلمُ السيد البرهان ما معنى ولاية وزارة المالية على المال العام؟! معناه أن هذا المال هو مِلكٌ الدولة وحدها..وأن كل ما هو خارج ولاية المالية فهو خارج ولاية الدولة !!!
• هل يعلمُ السيد البرهان ما معنى أن يقول ‹إنهم›، ولعامٍ كامل لم يأخذوا فِلساً واحداً من المالية، ويفاخرُ بذلك؟!!
معناه أنهم ‹نظام مستقلين عن الدولة يعني›، وأنهم لا يتبعون لهذه الدولة، ولا يحتاجونها، طالما أنها لا تصرف عليهم، ولا تطعمهم، ولا تكسوهم، ولا تعالجهم !!!
• هل يعلم السيد البرهان ما معنى أن يقول، وهو الضابط العظيم، إنه لن يسلِّم تلك الشركات ‹الأخطبوطية› للدولة ؟!!
معناه أنه، وبوضوحٍ شديد، يتمرَّد على الدولة !!!
• هل يعلمُ السيد البرهان ما معنى أن يقول إنه رهن إشارة الشعب السوداني، وكأنه يريد تفويضاً من هذا الشعب وينتظره ؟!
معناه أنه حسَبها خطأً للمرة الثانية، وأنه يريد أن يقود إنقلاباً عسكرياً على الدولة وحكومتِها القائمة، وللمرة الثانية، حتى ولو بعد قتل وتقتيل الناس، مثلما حاول وفعل في مرةٍ سابقة، عشيةَ فضِّ الإعتصام، ولا يبالي !!!
• إننا نريد أن نذكِّرك، بسرعة، يا سعادة الفريق، وأرجو ألا تنسى: أنك قد جئ بك في المرة الأولى جبراً، بعدما أزمعت على التمرد بعد فض الإعتصام، وتمزيق إتفاقات الشعب، ولكن إنتصرت إرادتُنا، وكنا نعلم أنك غير مقتنع، وأنك إنما كنت تُضمرُ خلاف ما تُظهر..ونذكرك الآن، ونقول لك إنك سيُجاءُ بك هذه المرة كذلك، وقد تمرَّدتَ أو كِدت، وستنتصر إرادتُنا أيضاً، وسيتحققُ رجاؤنا في دولةٍ متحضرة، وسوف لن تكون مقتنعاً بنا، ولا نحن سنكون بكم قانعين.. وأنك ستكون لنا كارهاً، مثلما كنتَ أولاً، وسنكون كذلك لفعيلِك ورفقتِك كارهين.. وسيكون غاية ما كسبتَ أنك كشفتَ لنا ما كنت تُخفي، ولسوف تلحق (بأولئك) ولو بعد حين !!