في خطوة غير مسبوقة، وان كانت غير مفاجئة في ظل ملامح التقارب في ملف العلاقات السودانية الأميركية، تستقبل الخرطوم اليوم الثلاثاء (25 أغسطس 2020م) وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو في زيارة رسمية للبلاد يجري خلالها مباحثات مع رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك.
الزيارة في ظاهرها المعلن تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، والقفز بها لمرحلة التطبيع، بعد أن تم رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء، وان كانت واشنطن لم تسم سفيرها للخرطوم بعد، ودعم الحكومة المدنية، والتحول الديمقراطي، وتحقيق السلام، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.
مغزى توقيت الزيارة
بقراءة متأنية لهدف الزيارة وتوقيتها. يتضح جلياً أن أميركا ثرت الطرق على الحديد وهو ساخن؛ مستفيدة من المناخ الحالي، وما طرأ من مستجدات في ملف العلاقات بين السودان واسرائيل، والتي تسارعت وتيرة تداعياتها في أعقاب تغريدة الناطق الرسمي باسم الخارجية السفير حيدر بدوي، التي دعا عبرها بضرورة الإسراع في التطبيع مع دولة إسرائيل.
هذه التغريدة التي أطلقها دبلوماسي سوداني، وهو يتبوا منصباً رفيعاً في الخارجية رغم أنه نسبها إلى نفسه، وأنها بمعزل عن الموقف الرسمي للخارجية؛ إلا أن الولايات المتحدة الأميركية التي تعي تماماً المغزى من هذه التغريدة سرعان ما تلقفتها بالهرولة للخرطوم لانتهاز السانحة التي قدمت لها على طبق من ذهب، متوكأة على الاختراقات التي تمت في ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية الذي قادته مهندسة الاختراق الراحلة نجوى قدح الدم، والذي تمخض عن لقاء الفريق البرهان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في يوغندا.
ذلك اللقاء حرك الركود الذي كان سائداً في العلاقة بين البلدين، رغم الإشارات والرسائل الخجولة التي كانت تنطلق من خلف الغرف المغلقة بين الحين والآخر من المؤثرين في النظام البائد، حيث ألمح وزير الخارجية الأسبق بروفيسور إبراهيم غندور إلى أنه لم يستبعد إقامة علاقة مع إسرائيل، أيضاً أدلى كرم الله عباس بدلوه في هذا الصدد، كما جهر مبارك المهدي بدعوته إلى إقامة العلاقة، بينما ظل الشارع السوداني في حالة تأرجح ما بين الرفض والقبول لهذه العلاقة.
أجندة واشنطن..
بالعودة لسبر غور وجود بومبيو في الخرطوم، وبالنبش في ملف العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن، نجد أن آخر زيارة لوزير خارجية أميركي للسودان كانت في عام 2004م قام بها كولن باول، وكانت بهدف الوقوف على الأوضاع في إقليم دارفور، وظلت العلاقات الثنائية بين البلدين يسودها الركود والتوتر وانعدام الثقة.
ورغم أن أميركا وقفت مع التغيير السياسي الراهن في السودان، ودعمته، وشهدت العلاقة بعض الإنفراج إلا أنها ما زالت تمارس التلكؤ والمراوغة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. وهاهي الآن في ظل الانفتاح الذي تشهده العلاقة بين إسرائيل وبعض الدول العربية والانتقال بالعلاقات من مرحلة السرية إلى الجهر والعلن. انتهزت واشنطن السانحة وألقت بثقلها من أجل ربيبتها الدلوعة إسرائيل في مشروع تقاربها مع السودان. متأبطة الجزرة والعصا، والتلويح بالعصا تهدد به في عرقلة رفع الاسم من قائمة الإرهاب، بينما تقدم الجزرة في شكل الدعم والاغراءات والمحفزات التي ستنهمر على الخرطوم جراء التطبيع..
العلاقة بعيون الدبلوماسية
مدير إلادارة السياسية بوزارة الخارجية وبرئاسة الجمهورية الأسبق السفير عثمان النافع في حديثه للتحرير نوه إلى وجود تيار قوي داخل الحكومة يؤيد طرح التطبيع مع إسرائيل، ودلل على ذلك بأن البرهان عقب تداعيات مقابلته نتنياهو أقر بمعرفة رئيس الوزراء حمدوك بالخطوة مسبقاً وموافقته بقوله go ahead
وأردف البرهان بقوله: “إن هذا الملف برمته حول لمجلس الوزراء”. وقد سبق أن وجه بومبيو الدعوة البرهان لزيارة واشنطن. من جانبهم، أعضاء المجلس السيادي يريدون إبراز رسالة لواشنطن بانهم كمكون عسكري داخل الحكومة لديهم تأثير قوي داخلياً وخارجيا.ً.
السفير النافع وصف زيارة بومبيو للخرطوم بأنها ستحقق العديد من مصالح الأجندة الأميركية خاصة أن الوضع السياسي السوداني ما زال هشا، والحكومة مواجهة بالعديد من التحديات الجسيمة، وهذا شكل دافعاً قوياً لواشنطن لانتهازه بالإسراع في خطوات التطبيع الذي سيرفع من حظوظ ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، والترويج لصفقة القرن والتي بدأت تؤتي أكلها بزيارة بومبيو لمنطقة الشرق الأوسط الحالية، التي تشمل اسرائيل والبحرين والإمارات والسودان، لافتاً إلى أن مجي بومبيو مباشرة للخرطوم عقب لقائه نتنياهو يعضد المصالح الأميركية.
وكان الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية قال: “إن بومبيو بحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس قضايا الأمن الإقليمي المتعلقة بنفوذ وإقامة علاقات إسرائيلية وتعمقها في المنطقة، إضافة إلى التعاون في حماية الاقتصاد الأميريي والراسمالي من المستثمرين سيئ السمعة”
مصدر دبلوماسي موثوق فضل حجب اسمه قال للتحرير: “قطعاً.. الناطق الرسمي باسم الخارجية مسنود من جهات مؤثرة. تدعم تغريدته بالدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل. و عززتها القناعات الفكرية للناطق. مؤكداً أن تلك التغريدة هي من عجلت بوصول وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية للخرطوم اليوم”.