بداية الثمانينيات كان لي شرف المشاركة ومن منزلي في
تأسيس أول روضة ومدرسة ابتدائية خاصة للغات بالدوحة، وفقاً للمنهج المصري، وفي
السنة التالية اكتملت سعتها بمرحلتي الإعدادي والثانوي وبكادر تدريسي تجاوز
السبعين من حاملات الدرجات العلمية الرفيعة.. ومع زيارة وزير التعليم المصري تم التصديق
بمدارس للجالية المصرية بقطر، منذ ذلك الزمان كغيرها من مدارس الجالياتالأخرى.
السودانيون رغم أنهم
هبطوا الدوحة في خمسينيات القرن الماضي (١٩٥٩م) رياضيين كابراهومة، ومعلمين نذكر
منهم الموجهة حاجة علي، وماريا، وبعد ثورة اكتوبر 1964م انتدب لقوة دفاع قطر برتبة
نقيب المشير سوار الذهب، واللواء يوسف ترير، ورائد شرطة يحيى حسين، وفي ١٩٧٣م جاء
معاراً مولانا الفاتح عووضة، و د .مصعب الهادي بابكر، وحسن ساتي السيد، وكوكبة من
الافذاذ علماً ومعرفة كالسفير المعتق الباقر عبدالمتعال، ود. أحمد دياب، وعثمان
البيلي وزير التعليم، ود. خالد إدريس، وحمد النيل ضيف الله، وعثمان عبدالمجيد، ود.
مصطفي المبارك.
وتباشير ١٩٧٥م
فتحت صفحات ناضرات بحلول التربال الروائي العالمي الطيب صالح مساهماً في
مسيرة الثقافة والإعلام، ولاحقاً سمى مندوباً
لليونسكو أكبر ماعون عالمي للثقافة والعلوم والآداب، وباتت الدوحة محطة لكثير من
المسؤولين النافذين، وكلنا يعرف ما جاؤوا له، أو به، ولكن الغبش الميامين شكلوا
الغالبية، وكوجود لامع بكبريات المؤسسات،
وبرغم ذلك تأخر كثيراً قيام مدارس للجالية التي افتتحت 1998م في مباني مؤجرة بمنطقة طرفية، وبما لا يتناسب وحجم
عطائهم وتطلعاتهم لتنشئة وتعليم أبنائهم.
ولم تكن بيئة مدرسية مثالية رغم ما حققته أكاديمياً، إلا أن العام ٢٠١٧م شكّل نقطة مضيئة، حيث انتقلت المدارس
بنين وبنات ( أساس/ ثانوي ) إلى مبانٍ ثابتة قدمتها دولة قطر منحة اميرية للجالية.
هذا الاحتضان
الدافيء للزولات بهمومهم وتطلعاتهم تجسد أيضاً في معرض الدوحة الدولي للكتاب قبل
الماضي، إذ تم تجسير أكبر بوابة دخول برسم شخص الطيب صالح عرس الزين وموسم الهجرة
للشمال والنخلة علي شاطىء الإبداع، الكتاب الذي شاركنا في تأليفه بعد تشييعه
بمقابر البكري، وبمبادرة ودعم بنك المال المتحد بالخرطوم، واستكتبنا به رفقاء
الطيب من القطريين: د. حسن النعمة ود. حسن رشيد ود. أحمد عبدالملك، وأهدينا أول
نسخة للدكتور حمد الكواري رئيس مكتبة قطر الوطنية، وزير الثقافة الأسبق تاكيداً
للعلاقات العميقة.
ان الناظر لخارطة الوجود السوداني يجد أن الشريحة الكبرى
منخرطة في الثقافة والاعلام والقانون والصيدلة
والطب، ولكن نصيبهم في مركز ثقافي لائق كوعاء لأنشطتهم ظل متواضعاً جداً، بل غير لائق لا بهم، ولا بقطر
المضيفة، وتطوراتها في البنية التحتية، بعد ان استضاف نشاطهم لسنوات مركز أصدقاء
البيئة لينتقلوا لفيلا سكنية قبل ارتحالهم
للمقر الحالي، الذي بدأ بتهيئة أنيقة وركن تراثي ومكتبة، ولم يستمر وهجه، ونظافته
طويلاً، اذا اقتطع الجزء الاكبر بساحته لمطعم طغى على ما عداه، وحار دليلنا ”
غذاء البطون أم العقول” رغم الضرورة، وانحصرت فعالياته بحفلات غنائية، أو
لقاءات مجاملة وشذرات برامج متواضعة، رغم وجود ملحق ثقافي وملحق إعلامي بكادر السفارة.
أستطيع القول إن جل اهتمام الجالية وروابطها إلا ما
ندر تمركز على المطلق في خانة المطالبة بالتغيير الذي طال دستور ٢٠٠٥م، ولم ترشح أي
أخبار عن جهود جادة لنفض الغبار عن الاتفاقية الثقافية، أو مساع لإعادة البوصلة
لعلاقات سودانية قطرية مبرأة من الدسائس والتجاذبات.
إن الضرورة
تحتم السعي إلى عقد اتفاقيات اقتصادية وثقافية وسياحية، ولحيازة مقر ثابت مركزاً
ثقافياً اجتماعياً يقابله مركز قطري بالسودان. إن الوقت حان لتسمية ملحق اقتصادي حصيف صادق وأمين ليبذر بذرة عمار
ونماء صالحة للبلدين، وليت سعادة السفير الجديد بقطر يهتم بتكملة إحصاء الجالية
الذي وضع لبنته د. ابراهيم الشوش، وإنشاء صندوق مالي لصالح الحالات الإنسانية،
ودعما ً للجنة النفير بقيادة الزول الهميم
محمد زيادة، ولفتح ملف الابتعاث الطلابي
للجامعات العالمية بقطر، ولإرجاع مكانة واستحقاقات الخطوط الجوية القطرية، ومعالجة
كل ما يغذي أوردة وشرايين التلاقح
السوداني القطري، ويضعها في خانة مقاماتها الرفيعة المستحقة، وأن يكون ضمن أجندته
ومكونات الجالية خلق علاقات والجاليات المقيمة، بعيداً عن الانكفاء الذاتي، ورفع
قدرات البعض للتعامل مع الآخر كمكون له
أرث يساهم لتعمير سودان جديد، ولبناء جسور محبة بين شعبي البلدين، وقد رسم خطوطها
الأولى نفر يصعب حصر أسمائهم ولنقل: شكراً
لقطر كعبة المضيوم، ولنفخر أن صانع موسم الهجرة للشمال وإخوته مرّوا من هنا.
إعلامية وناشطة اجتماعية مقيمة بقطر
Awatifderar1@gmail.com
.