هل باتت الشراكة في ذمة الله؟ دعونا نقر بأن هذه الشراكة التي ارتضاها الشارع واحتفى بها ذات يوم كانت إذعانا لفن الممكن، فثورة خضراء العود كانت بحاجة لذراع مسلح يحمل جيناتها لكي يحميها، وكان الجانب العسكري، في ذات الوقت، بحاجة لأرضية مدنية تسانده ولا تجعله في مواجهات لا يأمن أحد بوابات جحيمها.
نجح تكوين الشراكة مع تغاض عن مطبات الطريق، وساد خطاب إيجابي عن انسجام يسود بين الفريقين.
لكن المراقبين كانوا يعلمون أن هناك تقاطعات لا بد أن تحدث ولو بعد حين، فإن كانت الشراكة تعني توافقا على الأهداف، فهي تعني أيضا حماية كل شريك لمصالحه ورؤاه داخل الشركة، بحيث لا يكون بلوغ الأهداف عبورا فوق جثته !
إذن حدوث التدافع بين المكونين العسكري والمدني أمر ليس مفاجئا من الناحية المنطقية، لكن المفاجئ فيه أن يطفح إلى الواجهة ويصبح صراعا جهريا على كسب الرأي العام تمهيدا لمواجهات قادمة يتحسب لها كل طرف .
أكبر مطبات الوضع الراهن هو الملف الاقتصادي، وهو ملف قاس ويحتاج معالجات أليمة لا يسلم من أوجاعها أي طرف من أطراف السلطة وحواضنهما العسكرية والمدنية.
نعم هناك حاجة كبرى لدعم المكون العسكري في حماية الاقتصاد، فهناك التهريب، وهناك المضاربات في الدولار والذهب، وهناك التجنيب، وهناك التخريب، هذا غير الفساد العلني والخفي، وليس من سبيل لإزاحة هذه الأورام سوى بيد النظاميين.
لكن أن يحظى أي قطاع، عسكريا كان أو مدنيا، بشرنقة تجعله بمنأى عن ولاية المالية عليه فهو أمر يجب التوقف عنده، خصوصا إن كان ما بين يدي هذا القطاع يشكل أكثر من ٨٠% من عصب الاقتصاد والمال العام في البلاد.
لا يعتقد عاقل أن ولاية وزارة المالية على المال العام تعني أن تحمل الحكومة معولها لهدم أي نشاط اقتصادي ناجح سواء كان عسكريا أو مدنيا، ولو فعلت لوقف الرأي الواعي ضدها بكل صلابة، لكن يبقى بعيدا عن منطق الأشياء أن تكون وزارة المالية آخر من يعلم عما يدور وليس لديها إمكانية التلبية للأولويات بسبب كف يدها عن التصرف في مصادر الدولة الشحيحة !
بنفس القدر، لا يجب أن تكون التفاهمات حول هذه القضايا وسيلة للاستقطاب والمزايدات وإلهاب الاحتقانات واستدعاء المرارات، فلو كانت الشفافية مطلوبة فإن العمل السياسي والقيادي له متطلباته أيضا من السرية والخصوصية، وقاعات الاجتماعات هي المكان الأنسب لصراع الأفكار وليس ساحات الحواضن والشارع الذي ينتظر قشة كبريت لبنفجر!
إن الشعب السوداني ليس قحت وليس العسكر وليس البرهان وليس حمدوك .. لكنه مزيج من فصائل متساوية في الحقوق والواجبات، والفصيل العسكري يظل أحد هذه الفصائل التي يكن لها الجميع الاحترام والتقدير، لكن هذا لا يجعله ولا يجعل غيره في موقع الوصاية على (كل) فصائل الشعب الاخرى.
ارتضيناها مدنية بموافقة العسكر أنفسهم .. إذن لتكن مدنية، دون صراع مدني مع فصيل مهم وشريك في المرحلة الانتقالية هو الجانب العسكري، ومن مصلحة كل الأطراف – حتى لا تشيع الشراكة لمثواها الأخير – الانحياز الكامل لما توافقوا عليه من مدنية السلطة، لتمكينها من أداء وظيفتها إلى نهاية الفترة الانتقالية .. وليس من سبيل لذلك ويد هذه السلطة مغلولة عن ٨٠% من موارد وطنية تحتاج توظيفها في جدول الأولويات دون الإضرار بإبجابياتها ومرونة تحركها لدعم الاقتصاد.
وببقى الذكاء في إدارة الأزمة لا تأجيجها .