على الحكومة الإنتقالية وقوى الحرية والتغيير أن تخرج من شرك الوقوع في مخاطر(تجريب) إيقاع الشعب السوداني في غياهب المجهول ودائرة المفاجآت المُتتالية ، ذلك أنه لا ضمان بعد ما يحدث الآن من إستقطابات سياسية وضغوطات معيشية أن يظل أمر التأييد الشعبي للحكومة الإنتقالية (ثنائي) الفكرة ، بمعنى أن يكون قادراً على حمل قداسة الثورة وحاضنتها السياسية معاً في مركب (نجاة) واحدة إذا ما نفذ مستودع الصبر الحالي ، والشعب أيضاً لن يكون قادرا على رفع راية ثورته المجيدة و(مجبوراً) على تقبُّل العيوب والأخطاء التي لازمت إنزال شعاراتها ومطالبها أرض الواقع ، بدءاً بمشكلات قوى الحرية والتغييرالداخلية والخارجية ونهايةً بثغرات الوثيقة الدستورية والضائقة المعيشية ، فضلاً عن ضعف أداء الحكومة الإنتقالية برغم ما تعانيه من مُعرقلات طبيعية وأخرى مُصطنعة إنتجَّتها آلة التآمرات التي لم تتوقف حتى الآن ، وذلك أيضاً وجهٌ من أوجُه القصور في الأداء الحكومي.
وكانت حكومتنا الإنتقالية قد فاجأت الشعب السوداني بإرتفاع سعر الخبز إلى الضعف بعد الإذعان لضغوطات أصحاب المخابز ودون إعلان مُسبق ، ثم فاجأتنا برفعها التدريجي للدعم عن المحروقات وإعتماد منهج (التضليل) عبر إعلان سعرين للوقود أحدهما مدعوم والآخر مرفوع الدعم نسبياً إلى أن تم تمرير الخدعة وإختفى الوقود المدعوم لصالح التجاري ،
أيضاً ودون إعلانٍ مُسبق أو تصريحات تحترم سيادة وقداسة الشعب السوداني من منظور حقهِ في التنوير والإفادة عن ما يصدر من قرارات تمِس صميم حياته اليومية ، وبعد التصريحات المُتتالية لوزير التربية عن مجانية التعليم والوعود بالتدخل في أمر تسويات سوق التعليم الخاص وكبح جماح الجشع المتنامي لهذا القطاع عبر الزيادات المهولة والمُتلاحقة في رسوم المدارس التي يؤمها عدد كبير من أبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل من الذين أُجبروا على خوض تجربتها كنتاج طبيعي للهدم والتدهور الشكلي والجوهري للعملية التعليمية في المدارس الحكومية ، تبلورَّت المفاجأة أو (المؤامرة) وقبل إعلان بداية العام الدراسي بأيامٍ معدودات أن الوزارة تنفُض يدها عن أولياء الأمور وتترك الحبل على القارب للمدارس الخاصة بل ويُصرِّح بعض مسئوليها أن أمر الرسوم أمر خاص بين المدارس وأولوياء الأمور وعليهم أن يتفقوا بشأنه ،
والسؤال المطروح ، كيف تتأكد الوزارة أن المدارس الخاصة قد عملت بوصيتها (التنَّصُلية) وإتَّفقت وتفاهمت فعلاً مع أولياء الأمور ، وما الذي يجبر المدارس على فعل ذلك إن لم تفعل ؟.
أقول ما سبق لألفت الإنتباه إلى أن المفاجأة القادمة التي تُعدها حكومة المفاجآت وإنتظار ما ستُسفر عنه الأقدار هي مآلات وإستحقاقات السلام على واقع الشارع السوداني ، فإتفاق السلام الذي سيتم توقيعه اليوم بجوبا وبغض النظر عن مُحتواه وما جاء فيه من بنود هي في حد ذاتها مُفاجأة إذ لم يصدر لا في بدايتها ولا نهايتها أيي تنوير أو إشارات عامة تفيد تفاصيلها وأوجُه ما تم التوافق أو الإختلاف حولهُ ، هو نقطة تحوُّل محورية لكثيرِ من الثوابت والمُتغيرات التي ستؤثِر في مسيرة الفترة الإنتقالية ،
فإذا شاءت الحكومة الإنتقالية وقوى الحرية والتغيير إعفاء الشعب السوداني هذه المرة من مُستنقع مفاجآتها ، عليها أن تعمل الآن وليس غداً على تنوير الشعب السوداني بالتغيير الجذري الذي سيحدث في المنظومة السياسية والقانونية والثقافية والإقتصادية بعد وصول حركات الكفاخ المسلَح ومشاركتها في تسيير دفة الفترة الإنتقالية وإنعكاسات ذلك على واقع الإستقطابات الداخلية والإقليمية والدولية ، فضلاً عن المتوقع من مآلات صراع المُحاصصات في المناصب وتأثيره على شعاري (الكفاءة والنزاهة) اللذان بدونهما لن يخرج هذا الوطن وهذا الشعب من نفق الإنقاذ المُظلم الظالم.