تم اليوم التوقيع في جوبا بالأحرف الأولى على اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، ومن المفارقات ان الجبهة الثورية التي تم توقيع الاتفاق معها هي عضو في قوى الحرية والتغيير التحالف الحاكم ، وهي مفارقة تجعل من توقيع اتفاق السلام كانه توقيع داخل البيت الواحد وليس توقيعا بين فرقاء او أعداء، وهذه ميزه جيدة من ناحية وغير جيدة من ناحية أخرى، جيدة من ناحية ان الاختلافات سيكون لها أكثر من مستوى للعلاج داخل غرف البيت الواحد الوسيع، وغير جيدة اذ يحمل تاريخها المشترك ذكرى ما حدث بعد ١١ أبريل حين أبعدت الجبهة الثورية من التفاوض وصناعة القرار داخل قحت.
السلام في جوبا منذ انطلاقته لم ينل رضاء عدد من اللاعبين الأساسيين في السياسة السودانية وعلى راسهم حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي فقد أكد الحزبان أكثر من مرة أن هذا الحوار لن يأتي بالسلام الشامل المستدام الذي يعالج قضايا الحرب التاريخية، وشبها هذا السلام بالاتفاقيات الثنائية التي وقعها نظام البشير مع ذات الحركات من قبل وفشل، لجهة ان السلام الراهن يتجاوز أصحاب المصلحة على الأرض كالنازحين واللاجئين وينحصر في حملة السلاح ويناقش معهم قضية الحرب في إطار ثنائي وليس قومي. وهذا القول مشابه كذلك لأقوال عبدالواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان، وليس بعيد من اطروحات بعض اليسار الصديق لحركة الحلو.
على النقيض من الموقف اعلاه، تؤمن أطراف اتفاق السلام به، مفاوضي الحكومة الانتقالية، مفاوضي الحركات المسلحة، دولة الوساطة جنوب السودان، ودولة الإمارات العربية المتحدة الشريك الأبرز في هذه الوساطة، يؤمنون جميعا بأن هذا السلام قابل للاستمرار ومرشح للصمود، وهي رؤية متفائلة تحتاج لمزيد من العمل والجهد لتحويلها من تفاؤل إلى جد، ومن تطلع إلى واقع، وخاصة فيما يتعلق بإقامة مفوضية سلام فعالة وإقامة مؤتمر مانحين مانح بقوة لتطبيق بنود الاتفاق.
ما يميز سلام جوبا انه سلام الوافدين الجدد على مسرح السياسة السودانية الذين وجدوا انفسهم فجاة في موضع القيادة بعد انتصار ثورة ديسمبر، البرهان وحميدتي وحمدوك والتعايشي جميعهم لولا الثورة لما صاروا فاعلين في تصميم وتوقيع هذا الاتفاق، بالمقابل غاب عن هذا الاتفاق اللاعبين القدامى في السياسة السودانية حيث لا وجود لحزب الأمة ولا الحزب الاتحادي بقيادة الميرغني ولا الحزب الشيوعي ولا الإسلاميين، كما تغيب عن الحركات المسلحة امهم الرؤوم الحركة الشعبية الام حركة جون قرنق التي انفصلت عن السودان في عام ٢٠١١، هل المشهد يصور تغييرا في ملامح السياسة التاريخية في السودان؟ مستبعد جدا الإجابة بنعم.
شكرا الشقيقة دولة جنوب السودان شعبا وحكومة، على رعاية إنجاز هذا الاتفاق، وشكرا لجميع الشركاء، ومهما كانت المآخذ فإن هذا السلام بارقة أمل اولى في مسار متعثر للحكومة الانتقالية، ونختم بالمقولة الشهيرة للكاتب والسياسي الامريكي بنجامين فرانكلين ( لم يكن هناك ابداً حرب جيدة أو سلام سيء ).
sondy25@gmail.com