يعيش الشعب السوداني في هذه الأيام ظروفاً صعبة على
صعيد الحياة اليومية مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، وانهيار العملة الوطنية،
وتفاقم أعمال العنف في عدد من المناطق، إلى جانب الوجع السنوي المتمثل في
الفيضانات والسيول، التي جاءت غير مسبوقة، حتى أحالت حياة كثيرين إلى جحيم لا
يطاق، بعد انهيار منازلهم، وفقدان أرواح بريئة.
في ظل هذه الظروف يأتي بصيص أمل نتمسك به جميعاً، أملاً في أن يكون فيه التحول الذي نرجوه لوطننا، وأعني به توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركات المسلحة.
إن استحقاق السلام هو أهم استحقاقات الفترة الانتقالية، وكان من المأمول إنجازه خلال ستة أشهر، إلا أنه استغرق عاماً كاملاً.
تحدثت وزميلي في جمعية الصحفيين السودانيين الكاتب
والمحلل السياسي محمد جميل أحمد والمحلل السياسي جيري ماهر إلى قناة سعودية 24 في
برنامج “ما وراء الأحداث” الذي يقدمه الزميل محمد الراشد عن هذه الخطوة
أمس (31 أغسطس 2020م).
وكان أهم ما أدليت به أن هذه الخطوة على الرغم من غياب عبدالواحد محمد نور وعبدالعزيز الحلو تأتي مختلفة عن الاتفاقيات التزينية التي كان يتجمّل بها النظام البائد، ووجود حركات رئيسة في دارفور والمنطقتين دليل على جديتها، واتفاقها على طي صفحة الماضي.
كان اعتراف ممثلي الجانب لحكومي بما كان من مظالم وتهميش دليلاً على الحرص على بناء الثقة، والاستفادة من ممارسات الماضي السالبة، والعمل على تجنبها، وإقامة جسور للتواصل الإيجابي بين المركز والأطراف.
وأن يقول مالك عقار رئيس الحركة الشعبية- شمال (الجبهة
الثورية) بملء فيه: الحرب انتهت، يبرز التفاؤل بأن يتنزل الاتفاق على أرض الواقع،
وأن يسهم في تغيير واقع حال أهل السودان جميعاً.
وكانت الدعوة لحركتي عبدالواحد والحلو من جميع
المتحدثين معبرة عن حرصهم على أن يأخذ الاتفاق زينته وكماله، لقفل باب الحرب
والنزاع، ولا شك أن الممارسة الإيجابية ستكون جاذبة لهما، لتصبحا جزءاً من هذا
الاتفاق، وهذا يتطلب جدية الموقعين في تطبيق الاتفاق والالتزام به، مع ممارسة
الإيثار، والبعد عن الذاتية.
وقد أشرت في حديثي إلى أن مسارات الشرق والشمال والوسط قد تكون مجالاً للجدل، من باب التشكيك في مدى أحقية المفاوضين في تمثيل مناطقهم، ولكن يمكن أن ننظر إلى الأمر برؤية إيجابية تتمثل في أن هؤلاء أثبتوا في هذا الاتفاق وجود مطالب ضرورية لمناطقهم، ووجوب أن تؤخذ في الحسبان، وإكمالاً لدورهم الإيجابي هذا، فإن عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن المحاصصة، وطلب السلطة، وأن يشركوا الآخرين في حمل مسؤولية الدفاع عن القضايا الحقيقية لمناطقهم، فهل يفعلون؟
وتطرقت إلى قضية اللاجئين والنازحين، فأشرت إلى أن احتضان المملكة العربية السعودية مؤتمر أصدقاء السودان في 12 أغسطس الماضي كان لفتة ذكية منها، وقد جعلت اللجوء والنزوح محور المؤتمر، في استباق لتلبية متطلبات ما بعد اتفاق السلام، الذي كان ينسج في جويا آنذاك، خصوصاً أن قضية اللاجئين والنازحين هي القضية الرئيسة التي تتمحور حولها بروتوكولات الاتفاق السبعة الأخرى، وهي: الأمن، وقضية الأرض والحواكير، والعدالة الانتقالية، والتعويضات وجبر الضرر، وتنمية قطاع الرحل والرعاة، وقسمة الثروة، وتقاسم السلطة.
إن الاستقرار هو المدخل الحقيقي للتنمية، وهو الذي
سيعيد إلى السودان حيويته، وينفض عنه غبار السنين، ليكون بحق سلة غذاء العالم، في
زمن أصبح فيه الغذاء الثروة الحقيقية للشعوب.
والسودان المستقر سيكون مصدر قوة لعالمه العربي،
وقارته الأفريقية، ومنبعاً للخير للجميع، وهذا ما ينبغي أن يعيه الأشقاء العرب،
وأن يبذلوا ما يستطيعون في سبيل بلوغ هذا الهدف من دون شد المحاور وجذبها.
إذا تحقق إنجاز السلام الشامل وأصبح واقعاً، تكون الحكومة الانتقالية قد أوفّت بأهم وعودها، ومهدت الطريق لحياة ديمقراطية سليمة، ينعم فيها الشعب السوداني بتحقق شعاراته التي ظل يرفعها: حرية .. سلام .. وعدالة.
رحم الله شهداءنا الذين مضوا إلى بارئهم وهم يسعون إلى
تحويل هذا الحلم إلى واقع نلمسه، ونعيشه.
والواجب يقتضي تحية إخواننا في جنوب السودان الذين
بذلوا جهداً كبيراً، وعانوا كثيراً، في سبيل الوصول إلى هذا الاتفاق.
وأخيراً: هل آن لنا أن نقول: “لسه الأماني ممكنة”، بل يمكن أن نعيشها حية تنبض، ندعو الله أن تكون الأماني طوع بنان أهل السودان الطيبين في كل ربوعه.