مثلهُ ومثل أي شجرةٍ تُرتجى ثمارها سيحتاج السلام في السودان بشكله ومضمونه الشامل إلى الوفير من رعاية الدولة والمجتمع ، ومهما تعدَّدت الآراء والمواقف حول تفاصيل بنود إتفاقية سلام جوبا بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية ، ستظل بذرةً أولى لتحقيق السلام الأكمل والأشمل والأجدى والجامع لكل الرؤى والتصوُّرات ، عبر ما يمكن أن يحدث فيه من (تجويد) تدعمهُ أدوات عُدة أهمها التعديل والتطويع والمرونة في التعامل مع الأزمات المتوقعة.
فالتحدي الحقيقي ليس النجاح في الوصول إلى الغايات بقدر ما هو القُدرة على (الحفاظ) عليها وتنميتها وحمايتها من المخاطر المُحيطة ، ولا يظن أحد أن تحديات محاربة الفُرقة والشتات والتشرزُم والإحتراب بين أبناء الوطن الواحد ستنتهي بتوقيع إتفاقية سلام مهما بلغت مسودتها من شمول وحذاقة لغة وإحتواءاً على التفاصيل الأساسية والفرعية النابعة من جذور المشكلات ، ذلك أن التحديات الحقيقية تكمُن فيما نحن مُقدمون عليه في الحاضر والمستقبل من مثابرات للحفاظ على ما وصلنا إليه الآن ، فالأزمات متوقعة والتناقضات بين النص والوقائع واردة ، والإختلافات حول وجهات النظر العامة والخاصة ستظل ماثلة ، فإن لم يكن حبل العزيمة والصبر والإصرار على بلوغ السلام غايتهُ مشدوداً ، كان من السهل أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه فالخرابُ أيسر من التعمير والبناءُ أصعب من الهدم ، وكذلك إشعال الفتنة والإختلاف والإقتتال بين الإخوة في الوطن الواحد أيسر وأسرع من إشاعة السلام وتمتين قواعدهُ في أركان الدولة والمجتمع.
كما وعدت دولة جنوب السودان الشقيقة عبر خطاب رئيسها أنها ستواصل الجهود من أجل إلحاق عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور إلى ركب السلام الذي إنطلق بجوبا يوم أمس ، ستبذل الحكومة الإنتقالية بحسب برنامجها المُعلن كل ما في وسعها لتحقيق شمولية السلام في السودان وإعلانهُ بلداً خالياً من النزاعات والحروب الداخلية، وذلك عبر كل الآليات والأساليب التي توفِّرها إمكانيات الدولة ومساندة المجتمع الوطني والإقليمي والدولي، ولكن يبقى الجانب الأهم هو ما يتعلَّق بدور التفاعل المجتمعي الداعم للسلام عبر توجيه نشاطاته المُنظَّمة للتبشير بالسودان الجديد الخالي من الضغائن والجراحات والظُلم والإحتراب ، فبرنامج دعم السلام عبر المجتمع يرفع إشارة لفت الانتباه للمبدعين والمفكرين والأكاديميين وسائر المهنيين، وكذلك القائمين على إدارة العمل الثقافي أن يستنفروا همم الإنتاج الإبداعي في مجالات الفنون المُختلفة بما يتسق وسودان اليوم الذي يتوافق أبناءهُ حول حاضره ومستقبله تحت راية التكاتُف والتعايش والعدالة والمساواة، كما لا يفوتني أن أشير إلى أن السلام يجب أن يُحدث تغييراً إستراتيجياً في شكل ومضمون مُخطَّطات البرامج والرؤى الإعلامية في الإذاعات والفضائيات والمنشورات الثقافية والدراسات الأكاديمية المتخصِّصة ، يهدف في المقام الأول إلى (تعديل) سيكولوجية المواطن السوداني تجاه التفاعل الإيجابي مع هذا التحوُّل الهام في تاريخ البنية الإجتماعية والسياسية والثقافية في السودان، وفي مقامٍ ثاني يهدف أيضاً إلى (تعجيل) الوصول بغاياتهِ أرض الواقع ثم جني ثماره مزيداً من العمل والإخلاص والإتقان والتعاون عبر باب المساواة والعدالة وقداسة المواطنة لتحقيق تنمية وطنية عادلة ومُستدامة يستفيد منها كل السودان.