فوجئتُ بالكثيرين مِن مَنْ كُنتُ أعتبرهم فوق الشُبهات من ناحية (حكمتهم الوطنية) ، يباعدون بين الحق ومن يستحقهُ بكل كما أوتوا من قوة ، يبتغون من ذلك فقط نشوة الإنتقام و(تبخيس) ما أنجزهُ خصومهم ولو كان ذلك على حساب قداسة الوطن ومصالحهُ الإستراتيجية ، هم نفرٌ غير قليل من المنتسبين إلى منظومة الإنقاذ البائدة على المستوى السياسي والإنتفاعي ، ملأوا ساحات النشر الإلكتروني بكل سوءةٍ يمكن أن تُقال عن إتفاق سلام جوبا الذي وُقع بالأحرف الأولى بين الحكومة الإتتقالية والجبهة الثورية ، وكأنهم حين يفعلون ذلك يفوت عليهم أن كل ما جرى يوم الإثنين 31 أغسطس 2020 في جوبا مهما بدا ، فقد كان عنوانهُ السلام.
بالنسبة للوطنيين الحقيقيين الحادبين على المصالح العُليا والإستراتيجية للوطن والمواطن ، ليس في مقدورهم بإسم الوطنية والولاء للسودان وأيّاً كان حجم خلافاتهم مع الحكومة الإنتقالية وكيفما كان عُمق الجراحات أن يقفوا ولو لثانيةٍ واحدة في (تضاد) مع أيي محتوىً كان عنوانهُ السلام ، في هذه البلاد التي لم تُقعدها غير الحروب والنزاعات الداخلية لأسبابٍ لا ترقى لحدوث كل ما نراهُ الآن من دمارٍ طال الإنسان والإعمار والسُمعة الدولية لبلادنا ، وما كنتُ أتوقَّع من مجموعة كبيرة من السياسيين والناشطين والإعلاميين عدم إعتبارهم وتقديسهم لإتفاقية للسلام تُدمج مجموعةً من مجموعات الكفاح المسلح في ساحات الإخاء والتوادُد وملاحم البناء والتنمية القومية ، وإن حوت ما لا يرضيهم من تفاصيل في بنودها ، ذلك ترسيخاً لقيَّم التسامي والتنازل ، وتضحيةً (بلذة) النكاية في الخصوم ،
ليهبوا تغاضيهم عن ضغائن المصالح الخاصة قُرباناً للمصلحة العامة وفداءاً لهذا الوطن الذي لم يعُد قادراً على تحمُّل المزيد من الهدم بمعاول أبنائه وإجتهادهم في إبتذال خصوماتهم وتنافسهم على إقتناء العدم .
في وجود نية الحكومة الإنتقالية ودولة جنوب السودان الشقيقة الراعية لمفاوضات سلام السودان الإستمرار بنفس العزيمة والصبر في إستكمال السلام الشامل ، لا يمكن أن نعتبر عدم إستصحاب حركتي الحلو وعبد الواحد محمد نور فيما حدث يوم الإثنين 31 أغسطس 2020 في جوبا إنتقاصاً يُشين ما تم إنجازه في ملف السلام ، بل هو خطوةٌ كبيرة وجبَّارة أذابت أكثر من ثُلثي جبل الجليد ، وهي في ذات الوقت حافز لمن تبقى من الفُرقاء ليلتحقوا بركب السلام وينخرطوا مع الآخرين في ملاحم البناء والتنمية ،
تبخيس الناس أشياءهم من باب الكيد السياسي من الممكن قبولهُ في كل مناحي العمل العام بما فيها السياسي والإقتصادي وغيرها من المجالات ، أما في مجال السلام والنجاح في تأطير التوافق على سبر الخلافات وإخماد الحروب بين أبناء الوطن الواحد فهو غير مقبول ولا يتشرف به إلا كل خائن ومُندس وعدوٌ لمصلحة الوطن والمواطن ،
قولوا خيراً أو إصمتوا ودعوا قافلة السلام تسير ، بمن أمَّها اليوم ومن سيؤمها غداً ، دعوها تسير بكل عيوبها وتداعياتها السلبية وعدم توافقها مع كثيرٍ من الرؤى المُغايرة ، فكل ذلك تكفُل معالجتهُ وتقويمهُ التجربة الواقعية وتراكم الخبرات في مجال تدشين وبناء دولة المؤسسات والسلام والتنمية.