كارثة الفيضانات والسيول التي تضرب حاليا عددا من الأقاليم السودانية عكست مشاهد مأساوية مؤلمة .
أعلنت الحكومة حالة الطواريء لمدة ثلاثة أشهر ، وبات السودان منطقة كوارث طبيعية.
حتى لحظة كتابة هذه الحروف انتقل الى رحمة الله مئة شخص و تدمرت آلاف المنازل وفقد أصحابها المأوى.
أكد مسؤولون في الخرطوم أن الفيضانات الحالية غير مسبوقة، وهي الأولى من نوعها منذ مئة عام.
الفيضانات أضافت تحديات اقتصادية لوضع اقتصادي مأزوم، وفجرت أحزانا تضاف لآلام شعبنا الذي يواجه تحديات الانتقال الى نظام جديد يحترم كرامة الإنسان وحقوقه.
ليس في مقدور الحكومة الانتقالية(بدون دعم اقليمي ودولي) مواجهة كارثة بهذا الحجم، فما جرى يفوق امكاناتها .
الكارثة أكبر من أي جهود شعبية رغم أن شعبنا مشحون بقيم (النفير ) لكن المؤكد أن هذا النبض (التكافلي) سيسود في مناطق عدة داخل الوطن، وبين بنات وأبناء السودان في الخارج .
المآسي تكشف سمات الشعب (أي شعب) وروحه العميقة ،وستوضح مجددا هذه المأساة سمات شباب السودان وارتيادهم آفاق العمل الجماعي ، وكانوا أذهلوا العالم بثورتهم السلمية المدهشة ب( التكاتف).
على صعيد الدول ، لوحظ أنه مع حدوث مثل هذه الكارثة تسارع دول خليجية الى مد يد العون لشعبنا، وهاهي السعودية والإمارات تتصدران المشهد الآن .
قناعتي دوما أن عواصم الخليج ، ويشمل ذلك الدوحة والكويت ومسقط والبحرين مؤهلة لأن تلعب أدورا ريادية وايجابية تدعم أهل السودان دعما (انسانيا) وتنمويا لا يخضع لتأثيرات المحاور المؤثرة في علاقات دول المنطقة .
تابعت عن قرب، في مرحلة تاريخية امتدت لأكثر من ثلاثين سنة ، مشاهد حيوية لوقفات خليجية (إنسانية) دعمت شعوبا عدة، بينها شعب السودان، في أوقات صعبة.
أدعو اليوم دول مجلس التعاون الخليجي الى تحرك (إنساني) في مستوى التحديات وحجم الكارثة ، وينطلق من نبض الخير الكامن في قلوب وعقول أهل الخليج .
الشعوب الخليجية (كما عايشت عن قرب) تحب – بدفع من ضمائر تهوى أعمال الخير – أن تداوي جراح المجروحين، لترسم الابتسامة على وجوه الموجوعين، من خلال حملات تبرع كبرى ،خصوصا اذا فتحت حكوماتها باب التضامن الانساني مع هذا الشعب أو ذاك.
مأساة فيضانات السودان الراهنة سترسم أبعاد التحرك (الحكومي) الخليجي في التعامل مع التحديات (الإنسانية) الحالية في السودان في ظل نظام جديد صنع مناخه الشعب السوداني .
كتبت وقلت في سنوات مضت أن العلاقة السودانية الخليجية تحكمها مصالح مشتركة، وقد أضفى عمل ملايين السودانين في دول خليجية أبعادًا حيوية لهذه العلاقة المتميزة.
ما زلت أرى أن حكومات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي تحس سريعا بالوجع السوداني عندما تقع الكوارث الطبيعية أو السياسية وغيرها .
الأسباب متعددة ، وفي صدارتها كما أرى أن هناك مصالح مشتركة ومهمة ، فأمن الخليج واستقراره من أمن السودان والعكس صحيح،وقد كتبت عن ذلك كثيرا في سنوات مضت،وليست هذه رؤية جديدة أو قناعة حديثة .
معلوم في هذا الإطار أن الحدث السوداني أيا كان نوعه يجد صدى سريعا في مصر، التي سجلت على سبيل المثال حضورا في مواجهة كارثة (كورونا) .
لا استغرب ذلك، اذ أن بين الشعبين السوداني والمصري من الوشائج ما ينبغي أن يبني علاقة استراتيجية مستقبلية راسخة وقوية، تحقق المصالح المشتركة ، وكذلك ينبغي أن يكون الحال مع أثيوبيا، فالشعبان يرتبطان أيضا بعلاقة تاريخية .
يتوقع سودانيون في هذا السياق أن تسارع دول العالم والمنظمات الحقوقية والإنسانية -التي وقفت الى جانب شعبنا وهو يصنع فجره الجديد بثورته السلمية – إلى وقفة في مستوى التفاعل الإنساني والمواجهة الحقيقية لنتائج المأساة.
أي أن كارثة الفيضانات والسيول ستكشف أبعاد الخطوات العملية التي سيتخذها (شركاء وأصدقاء السودان) في هذا الشأن ، وكانوا عقدوا اجتماعين مهمين في برلين والرياض عبر (الفيديو) في زمن (كورونا).
يبقى التأكيد أننا في أوقات الشدة، وفي كل وقت ، نرفع الأكف، لندعو الله أن يضمد جراح أهلنا المنكوبين بالفيضانات والسيول، وأن ينعم عليهم بأفضل مما فقدوا من بيوت وممتلكات، وأن يحفظهم وأن يرحم موتانا رحمة واسعة، ويفتح أوسع أبواب الخير والإستقرار أمام شعبنا .. الرائع .. الصابر.
لا حاجز يحجب أو يمنع دعاء الموجوعين والمكلومين ..
لا حدود لرحمة ( فالق الحب والنوى) ..
لندن -٥ سبتمبر ٢٠٢٠