لا أدري ما كُنه الرسائل التي يريد إيصالها السيد رئيس مجلس السيادة للشعب السوداني الصابر والمُحتسِب عبر الكثير من تصريحاته ونشاطاتهِ الأخيرة ، والتي لا تخرج تحت أي تفسير عن كونها محاولات مقصودة أو غير مقصودة لإستفزاز قوى الثورة ، أو (تحفيز) للحالمين بعودة النظام البائد عبر (التنبيه) بأنه ما زال هناك أملٌ في العودة يتراءى في الأُفق ، فبعد دعوته لفلول ومُنتفعي الإنقاذ البائدة عبر خطابه الأخير لتفويض الجيش ، ها هو بالأمس يلتقي بقيادات ما يسمى بـ قوى إعلان البرنامج الوطني ، وعلى رأسهم بشير آدم رحمة وأحمد بلال عثمان والتجاني السيسي وعبد الله مسار وأبوالقاسم بُرطُم ، أما الأنكى في الموضوع عرضهم عليه تصوُّراً لبرنامج إنتقالي بديل للوثيقة الدستورية ، من ضمن إشتراطاته مساهمة (جميع) القوى الوطنية على حد تعبيرهم في مسيرة الإنتقال بالبلاد إلى إنتخابات حُرة ونزيهة.
ما يُسمى بـ قوى إعلان البرنامج الوطني وقياداته حين يتنادون اليوم عبر مسرحية الخوف على مصالح الوطن والمواطن ، إنما يريدون طمس تاريخهم القريب الذي لم يصبح ماضياً بعد ، حين كانوا يمثِّلون الأجسام السياسية التي عبَّرت عن إقصاء الآخرين وِفق مبدأ (إنتهازية المشاركة المصلحية) مع حكومة العهد البائد ، ضاربين عرض الحائط بفضيلة الإجماع الوطني ومُقتضيات المصلحة الوطنية ، بل ذهبوا أبعد من ذلك حينما أُتيحت لهم فرصة القفز من المركب الغارقة بُعيد إندلاع ثورة ديسمبر المجيدة فأبوا وتمسكوا بحكومة المخلوع ، وراهنوا عليها حتى سقطوا معها وأصبحوا من الغارقين في أوحال فسادها وفجورها وتنكيلها بالشرفاء من أبناء هذا الوطن الذي لا يستحقون إنتماءهم إلى ملحمتهِ التاريخية التي تترى أحداثها وتداعياتها اليوم بكل ما فيها من وقائع وإشارات إيجابيةً كانت أم سلبية.
من وُجهة نظر شخصية فإن أقل واجب كان يمكن أن يقدِّمهُ رئيس مجلس السيادة والقائمون على أمر نشاطاته ، الرفض القاطع للقاء مَنْ نبذهُم الشعب السوداني وثار ضدهم وخاض في سبيل إبعادهم المعارك عبر تضحيات كان مهرها الدماء ، وكان عليه أن يعي أن هؤلاء (واقعياً) أقل قدراً في وزنهم السياسي من الإسلاميين أنفسهم ، إذ أنهم في واقع الأمر لا يملكون القواعد الجماهيريه ولا الخبرة ولا الرؤية السياسية التي تمتَّع بها الإسلاميون وأسَّسوا بها دولة الجور العميقة التي شيَّدوا بمواردها المنهوبة تنظيمهم السياسي ومُقتضيات مُتعهُم الشخصية ، فتلك القوى التي صنعتها الإنقاذ البغيضة وجعلتها صوراً وهمية لأحزاب سياسية تستغلها لتضليل المجتمع الإقليمي والدولي بأنها تقاسمت السلطة مع معارضين ، لم يكونوا سوى دُمى تتلاعب بهم أينما وكيفما شاءت ، ثم تستعملهم أيضاً لإضفاء مشروعيةٍ لإنتخاباتٍ هزلية يأنف الزيف والبُهتان عن الإنتماء إليها ، أمثال هؤلاء يا رئيس مجلس السيادة غير جديرين بالمشاركة في تسيير إنتقالٍ ديموقراطي كان مبدأهُ تضحيات الشعب السوداني ومُنتهاه ما تعّرَض لهُ مُناضليه ومُناضلاته من قتلٍ وسحلٍ وإعتقالٍ وتشريدٍ من وظائفهم وأوطانهم لثلاثين عامٍ مضت ، لأنهم حينها كانوا يتفرَّجون عبر نوافذ قصورهم المُظلَّلة وفارهاتهم الباذخة وشبابنا يُقتل ويُسحل في الشوارع ، ويغالبون نشوة الأمل حتى اللحظات الأخيرة قبيل سقوط النظام البائد أن تكون الغلبة للسلطان الجائر ، الذي كان ولياً لنعمتهم وسبباً في دِعة عيشهم حينما أحال فسادهم أغلبية الشعب السوداني إلى ما دون خط الفقر.