فاض النيل وأعلن تمرده الكامل وخرج عن مساره مخلفا وراءه الدمار الشامل في كل شيء. لم يرحم النيل الهائج إنساناً ولا منزلاً ولا جسراً ولا حيواناً .. التهم كل من وقف في طريقه أو حاول ترويضه، وإرجاعه إلى مساره القديم، كأن النيل يغني مع مصطفي سيد احمد (ولا النيل القديم ياهو ولا يانا)، ولا نملك إلا أن نتضرع إلى الله أن يحفظ السودان وشعبه من هذا المارد الكاسر .
بنفس تمرد النيل، تمرد علينا الدولار، والتهم الجنيه السوداني من دون رحمة، وبدأ يقفز بطريقة جنونية؛ كأن الدولار في بلادنا يقفز بالزانة، ووصل الى حافة ال250 جنيهاً، وربما سيصل الى الثلاثمئة قبل أن يرى ما أكتبه لكم النور.
فيضان النيل، ومهما اختلفت الآراء حوله، إلا أنه لا يخرج من كونه تدفقات المياه الهائلة في أثيوبيا، وكذلك بحيرة فكتوريا، والتغيير الحاد في المناخ، وقد حذر العلماء منذ فترة طويلة، ولكننا لم نأخذ الأمر بالجدية المطلوبة.
هذا ما كان من أمر فيضان النيل .. فماذا نقول عن فيضان الدولار؟!
لا أحد في استطاعته أن يقنعنا أن ما يحدث في سوق الدولار هي قصة عرض وطلب كما يفسره الاقتصاديون. ما يجري هو عمل مدروس وممنهج لشلّ اقتصاد الدولة، وضربه في مقتل.
دعونا نسأل الذي يشتري الدولار من السوق الموازي ب 250 جنيهاً .. ماذا يريد أن يفعل بهذا الدولار الملعون؟ هل يريد أن يستخدمه لاستيراد سلعة ما من الخارج؟ كم ستكون قيمة هذه السلعة عندما يتم استيرادها بهذا الرقم المخيف؟ ثم من من السودانيين في استطاعته أن يشتري هذه السلعة عندنا تعرض في الأسواق المحلية؟
القصة ليست كذلك .. الدولار اصبح سلعة مثلها مثل أي سلعة أخرى كالسكر والزيت يباع ويشترى، ويتم زيادة سعره على هوى البائع من دون أي ضابط أو رابط.
وللأسف الشديد الدولة تجلس في كراسي المتفرجين، كأن الأمر لا يعنيها في شيء، وكل الذي تفعله الدولة أنها ومن وقت إلى آخر تعلن عن إلقاء القبض على التاجر الفلاني او العلاني، ومعه كم ألف من الدولار، والساقية ( مدورة) لا التجار توقفوا، ولا الحكومة ابتدعت شيئاً جديداً في إيقاف انطلاق الدولار.
لن نقول إننا وصلنا إلى حافة الانهيار الاقتصادي، لا بل سقطنا في القاع السحيق.
ليس أمام الحكومة أي حلول أمنيه ممكنه لوقف هذا الانهيار والسقوط. الحلول يجب أن تكون حلولاً اقتصادية وعاجلة جداً .. لو كنت مكان رئيس الوزراء لأعلنت اليوم قبل الغد تغيير العملة، ولأعلنت إيقاف الاستيراد من الخارج لمدة عام كامل، إلا تحت الإشراف المباشر لوزارتي المالية والتجارة، وحبذا لو قفل الاستيراد للشركات الحكومية فقط .. ولكنت أعلنت ان أي صادر سوداني -لمدة عام كامل – لا يتم إلا عن طريق الشركات الحكومية لضمان إعادة عائد الصادر لبنك السودان.
ولو كنت مكان حمدوك لكنت أوقفت استيراد أي سلعة إلا الأساسية، مثل: الوقود والادوية والاسمدة والمبيدات، وإيقاف كل السلع غير الأساسية، بما فيها العربات.
طبقوا هذا الحظر الشامل لمدة عام واحد لكي يتعافي الاقتصاد … نحتاج إلى قرارات جريئة وقوية.
لا يمكن أن يحدث كل هذا الانهيار، وحكومة الثورة تقف عاجزة هكذا دون حراك، كفانا الكلام المنمق والناعم .. نحتاج قرارات ثورية قوية حتى موضوع الدعم أيضاً نحتاج إلى قرارات قوية ومؤثرة .
حمدوك الشعب يقف معك من أجل اخراج الاقتصاد من هذه الحفرة التي وقعنا فيها، إما ان تكون على مستوى هذه المسؤولية الجسيمة، او اعلن أنك فشلت في ذلك حتى يتدبر الشعب أمره.
ثورتنا يجب أن تستمر، ويجب أن تنجح بحمدوك أو بغيره .. هذه ثورة دفع الشباب ثمنها غالٍ من أرواحهم. إما ان تكونوا على قدرة عظمة ثورة ديسمبر، وإما أن تعيدوها لشباب الثورة، فهم حماتها وهم قادتها .
اللهم بلغت اللهم فاشهد .