صناع القرار في بلادنا في الوقت الراهن لا يتمنى اي شخص ان يكون في مكانهم، فهم في ضغوط لا تحصى، تزداد يوميا بصورة لا تطاق، ضغوط اقتصادية، ضغوط امنية، ضغوط سياسية، ضغوط اجتماعية، ضغوط من الشركاء، ضغوط من الشارع، ضغوط من الدولة العميقة ، ضغوط أسرية ( ضغوطات، ضغوطات، ضغوطات ). هذه الضغوطات اوجدتها الظروف والعوامل المتراكمة المعقدة التي تسلسلت زمانا ومكانا منذ فجر انقلاب الانقاذ حتى اليوم وجعلت الحكومة الانتقالية في هذا الوضع الاقتصادي الصعب، الذي يتهاوى فيه الجنيه في كل يوم إلى قاع جديد.
بعض اسباب الازمة الاقتصادية الراهنة يرجع إلى نهاية عهد المخلوع، حيث وصلت البلاد إلى مرحلة خانقة اقتصاديا وكانت الصفوف في كل مكان نتيجة الفشل والفساد وسوء الإدارة، وهي ظروف اقتصادية توالت في الانحدار، وكان لاستمرار المظاهرات والاحتقانات في البلاد لفترة تعدت ال ١٠ شهور من ديسمبر ٢٠١٨ حتى إعلان تشكيل الحكومة الوزارية في ٥ سبتمبر ٢٠١٩، وهي فترة طويلة جدا توقفت فيها الحركة والإنتاج بصورة حادة وتأثر وضع الدولة الاقتصادي بصورة كبيرة، مما أنتج خللا ضخما ما كان له أن ينتهي بتشكيل الحكومة أو بمرور عام على تشكيلها .
حكومة المجلس العسكري التي حكمت البلاد لحوالي خمسة أشهر، لم تكن حكومة مستقرة، اذ شهدت صراعا عميقا بين العسكر والمدنيين، وانتشرت حالة من الاستقطاب والاستقطاب المضاد، مما خلق هوة عظيمة من عدم الثقة بين الطرفين، هذه الهوة والاستقرار أثرت وتؤثر الآن على الأداء الأقتصادي للحكومة الانتقالية. كما يؤثر على اقتصاد البلاد تعدد أقطاب الحكم ، فالحكومة الانتقالية جسد بثلاث رؤوس، المجلس السيادي، مجلس الوزراء، قوى الحرية والتغيير، تعدد الرؤوس خلق بطء في عملية إدارة الدولة وخلاف في كثير من الملفات مما جعل الحكومة الانتقالية بطيئة الحركة، ضعيفة التجاوب مع الأزمات .
عدم اكتمال هياكل الحكم، تأخير تعيين الولاة المدنيين، وعدم تعيين المجلس التشريعي حتى الآن، بالإضافة إلى عدم قيام المؤتمرات القومية لضبط وتوحيد رؤية اجهزة الحكم حول الاقتصاد والسياسة الخارجية، ساهم في استمرار وجود الأزمة الاقتصادية، خاصة وأن الحكومة شهدت صراعا عنيفا على نوع الاقتصاد والسياسات الاقتصادية التي يجب أن تطبقها حكومة الثورة بين مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية لقوى الحرية و التغيير، وهو الصراع الذي أفشل مؤتمرات المانحين والأصدقاء.
تاخير اتفاق السلام كان عاملا مهما ايضا، هذا بجانب النشاط المحموم للدولة العميقة ، التي تحاول اغراق البلاد اقتصاديا و تصوير أزمات الواقع الاقتصادي بأنها من صنيع حكومة الثورة حتى يخرج عليها الشعب. كذلك كانت كورونا عاملا محبطا لحركة الاقتصاد والتجارة داخليا وعالميا وألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي السوداني . بينما يظل عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من بين أكبر أسباب الأزمة الاقتصادية الخانقة.
هذه بعض العوامل التي اجتمعت مع بعضها البعض لتخنق الحكومة الانتقالية اقتصاديا، وهي عوامل مقدر لها ان تفعل نفس الأثر الذي نشاهده اليوم في أي حكومة وربما أشد، لذلك لا يمكن أن نلوم الحكومة الانتقالية وهي تجتهد لتغالب كل هذه العوامل والظروف الصعبة، وإنما الواجب أن نساعدها وان نمد لها يد العون، وخاصة من لجان المقاومة ومن الشباب ومن السياسيين، هذا الدور واجب على الجميع، كما تصدينا للرصاص والبمبان علينا أن نتصدى لمعركة البناء وحدة واحدة كالبنيان المرصوص، مهما كانت التحفظات على اداء الحكومة يجب ان نساهم في نجاحها لا اسقاطها، فالبديل لن يكون سوى العودة للشمولية والكبت والظلم.
sondy25@gmail.com