غرّد الأستاذ حسين
خوجلي على صفحته في الفيسبوك مبديّاً قدراته الكوميدية، فقال: “علمت مصادرنا
أن مركزية القحاتة دعت لمليونية ادانة الفيضان، واتهمت قيادات التجمع (الدولة
العميقة) بانها تقف وراء استبداد النيل لاجهاض البنى التحتية لشعارات ديسمبر”،
وطبعاً مثل هذه المزحة الثقيلة تنم عن فقدان الحس الإنساني، وغلاظة الشعور.
ويبدو أن الرجل سعيد
بكارثة الفيضانات لأنها تثقل –في رأيه- كاهل حكومة “القحاتة”، من دون أن
ينظر إلى مآسي المتضررين، وما حلّ به من وبال.
وتبلّد الإحساس هذا ليس بمستغرب على من تنعم في
ظل النظام البائد الذي كان وراء ثراء أمثاله من الأبواق، الذين كانوا يغمضون أعينهم
عن سوءات النظام، ومنها نهب ثروات البلاد، وإهمال شؤون العباد، وفي مقدمتها تهيئة
البنى التحتية، على مدى 30 عاماً.
لقد كان حسين وأمثاله
يتابعون مآسي السيول والفيضانات عاماً بعد عام، ويبرزون إنجازات نظامهم في
مواجهتها، وقد كانت تتمثّل في خوض المسؤولين في الماء تعبيراً عن مشاركة المنكوبين،
وإنّ الله يحب المحسنين.
إن حسين خوجلي بمفارقته
الروح الإنسانية في هذه السخرية السمجة لم يأت بجديد، فهو نفسه الذي وصف الثوار
بـ”شذاذ الآفاق”، و”الجرذان”، وهو يستعرض عضلاته على قناته
التي تمثل إحدى ثمرات انبطاحه للنظام البائد، والتبشير بمشروعه الحضاري، الذي لم
نر منه غير كل ما ينافي الدين والحضارة.
لكن تستحق حكومتنا من
حسين وأمثاله أكثر من هذا، فقد أغلق قناته بحجة عدم قدرته على الوفاء بالتزامات
البث عبر القمر الصناعي، وعادت قناته بعد كمون لتبث سمومها مرة أخرى، ووزارة
الثقافة والإعلام تتابع المشهد، كأن الأمر لا يعنيها، بحجة أننا أصبحنا دولة
قانون، بعد أن مضى عهد الشرعية الثورية.
ولم تقم الأجهزة
الرقابية بدورها في تقصي مصادر المال التي أعادت الحياة للقناة بعد إعلان صاحبها
الإفلاس، وعدم القدرة على الاستمرار، في ظل ارتفاع غير مسبوق في سعر الدولار.
هذا الوضع الدال على
العجز أو التواطوء يتيح لحسين خوجلي أن يخرج لسانه للحكومة، ولمجلس السيادة، ولأي
سلطة في البلد، ولهذا نظل نقول مع الثوار: لم تسقط بعد.
وهذا التعليق الساخر
لحسين خوجلي يدلّ دلالة واضحة كم يتمنى هو وأمثاله أن تنتكس الثورة، ونعود إلى عهد
الذل الذي كان، والذي هو سبب ما نحن عليه من بؤس وشقاء.
إن 30 عاماً كانت كفيلة
بأن تكون مدننا كمدن العالم في بنيتها التحتية، وتخطيطها العمراني، ومدنها
الصناعية، وخدماتها الوافرة والراقية، مما يجعل الحياة تنساب بلا تعقيد.
إن 30 عاماً كانت كافية
لتصبح أريافنا مصادر لرفاه الوطن، بمنتجاتها الزراعية، التي توفر ما نحتاج إليه،
ليصبح الفائض مدخلاً للصناعات التي تقوم عليها، ومصدراً للعملة الصعبة، وسبباً
لاستقرار أهلنا التعابى، فلا تتكدس بهم المدن، التي تئن اليوم تحت وطأة الكثافة
السكانية التي تفوق قدرتها على الاستيعاب، وخصوصاً أن كثيرين من ساكنيها يهيمون
على وجوههم، وقد سُدّت سبل كسب العيش أمامهم.
إن هذا الوضع المزري يا
حسين لم توجده حكومة القحاتة، وإنما أوجدته حكومات الإنقاذ، التي كنت تباركها،
وتبشر ببرامحها، وتفتح الصفحات والقنوات مطبلاً لها، بل كنت مستثمراً في خيباتها،
وتنال المليارات عمولات، بوصفك النجم الإعلامي المدلل، صاحب النفوذ والصيت، كما قلت
بـ”عضمة لسانك”، وليس هذا افتراءً مني.
إن ثورة ديسمبر أسقطت
القناع عن رموز الإنقاذ، وأظهرت حقيقتهم، لمن كانوا مخدوعين فيهم، بينما كانوا
كتاباً مفتوحاً لمن ظلوا يقارعونهم طوال أكثر من 30 عاماً حتى سقط نظامهم، وهؤلاء
كانوا يدركون: “أنهم ساقطون”.