إعداد: إسماعيل محمد علي
على الرغم من انشغال المجتمع السوداني بمجريات أحداث الفيضان الذي خلف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، نظراً لقوته التي لم يسبق أن شهدها السودان منذ أكثر من 100 عام، يتساءل كثيرون عن الحلول التي يمكن أن تعتمدها الحكومة السودانية لتفادي مخاطر الفيضانات في السنوات المقبلة.
يؤكد وزير الري والموارد المائية السوداني السابق عثمان التوم لـ “اندبندنت عربية”، أن “الفيضان الذي ضرب مختلف أنحاء السودان هذه الأيام، لم يحدث منذ عام 1912، بل يعد الأقوى، وبحسب الاحصاءات فإن الفيضانات المدمرة تحصل كل ألف سنة، لكن بشكل عام الناس تعودوا على وضع معين للفيضانات ولم يكن في مخيلتهم وتوقعاتهم أن يشهدوا مثل هذا الفيضان. وما زاد من حجم الكارثة وجود أعداد كبيرة من السكان تقطن في القرب من النيل. وتمدد العاصمة الخرطوم بسبب نزوح كثيرين من سكان الأقاليم المختلفة إليها بحثاً عن المأكل والمشرب بسبب الحروب التي شهدها السودان منذ عام 2003، جعل الغالبية العظمى تتخذ المجاري والوديان والمزارع القريبة من النيل سكناً لها. وهو ما ضاعف من حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات”.
ويلفت التوم إلى أن ما يمر به السودان من حالة اقتصادية متردية، وانشغاله بإحلال السلام في البلاد من خلال مفاوضات جوبا مع الحركات المسلحة، وغيرها من قضايا الجوار الأفريقي، وضعه في خانة القصور تجاه ما تعرض له من فيضان قضى على آمال كثيرين من المواطنين في 16 ولاية سودانية”.
ويعتقد التوم أن المشكلة الحقيقية هي أن “السيول كانت أكثر من الفيضانات هذا العام، ومعروف أن جريان السيول سريع ومدمر، وأثرت في اشتداد واصطدام موج النيل مع الرياح العاتية. ما أدى إلى اختراق مياه النيل الحواجز الطينية الموضوعة كأرصفة لحجز تلك المياه.
تغير المناخ
وعن كيفية تفادي هذه الفيضانات مستقبلاً، يجيب التوم “ليست هناك حلول يمكن أن توضع لمنع الفيضانات، لأنها تعتمد على كمية الأمطار التي تهطل موسمياً، لكن بشكل عام الحل يكمن في سد النهضة الإثيوبي الذي يبدأ في ملئه من العام المقبل، إذ سيتم حجز المياه خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، وفتح بوابات السد في فترة انحسار النيل الأزرق للاستفادة من المياه في توليد الكهرباء. بالتالي، لن تكون هناك فيضانات تذكر خلال السنوات المقبلة”. ويذكّر بأن “الفيضانات التي حدثت بين عامي 2016 و2020 كانت فوق المتوسط ومتأرجحة بسبب التغيير المناخي الذي يزيد من حالات الفيضان والجفاف معاً. وهذه ظاهرة عالمية تصعب معالجتها”.
ويوضح التوم أن السدود والخزانات التي تقع على الأراضي السودانية في النيل الأزرق والنيل الأبيض والنيل الرئيسي، تعد موسمية، وسيتم ملؤها وتفريغها في السنة نفسها، خلافاً لسدي النهضة والعالي، باعتبار أن سعتهما وعمقهما أكبر بكثير من السدود السودانية. وعلى الرغم من ذلك لولا هذه السدود بخاصة سد الروصيرص (يقع في بداية الأراضي السودانية على نهر النيل الأزرق على بعد 550 كيلومتراً عن الخرطوم)، وسد مروي الذي يقع على نهر النيل الرئيسي على بعد 350 كيلومتراً عن الخرطوم، لكان الوضع أكثر مأساوية”.
يضيف التوم أن “قوة فيضان هذا العام أجبرت وزارة الري السودانية على مخالفة التعليمات التي تتبعها منذ سنوات والتي تتمثل في عدم فتح الخزانات في فترة الفيضانات، إذ أصدرت تعليماتها بالعمل على تخزين المياه في السدود السودانية (الروصيرص، ستيت بعطبرة، ومروي)، على الرغم من أن المياه في هذه الفترة تكون محملة بالطمي. بالتالي، لولا هذا الإجراء لكان منسوب النيل أعلى مما هو عليه حالياً بـ20 و30 سنتيمتراً. وهو أكثر مما سجل في عامي 1946 و1988.
خزانات ثانوية
وفي السياق ذاته، يقول أستاذ هندسة مصادر المياه في كلية الهندسة في جامعة الخرطوم، وعضو وفد السودان في مفاوضات سد النهضة البروفيسور محمد عثمان عكود لـ”اندبندنت عربية”، إن “غزارة أمطار هذا العام كانت سبباً رئيساً في ما تعرض له السودان من فيضانات في مناطق مختلفة من أقاليمه. مع ذلك، إن زيادة حجم الكارثة والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات جاءت بسبب التعدي على المساحات الفيضية والسكن في بطون الأودية وعلى ضفاف النيل. وتفادي هذه الفيضانات التي ظلت تضرب البلاد من حين إلى آخر يكون من خلال الاعتماد على سد النهضة الإثيوبي، وذلك بتخزين مياه الأمطار في موسم الخريف، والقيام بتفريغ المياه بعد انتهاء موسم الأمطار من أجل توليد الطاقة الكهربائية”.
ويعتبر عكود أن “تشغيل سد النهضة سينهي الفيضانات المدمرة على نهر النيل الأزرق والنيل الرئيسي، ابتداءً من العام المقبل، وفي الوقت نفسه يقلل من كمية الطمي التي تصل السودان، فضلاً عن أنه يسهم في استقرار منسوب المياه على المدى الطويل ويضبط جريان المياه بالمنسوب العالي ليصبح منساباً بشكل طبيعي طوال العام”. ويوضح أن خزانات السودان الستة (الروصيرص وسنار وجبل أولياء وأعالي عطبرة وستيت وخشم القربة وسد مروي) تعتبر ثانوية وصغيرة من حيث سعة التخزين، وليست لديها القدرة على حجز كميات كبيرة من المياه، إذ لا تتعدى فترة أربعة أيام لملئها”. ويشير إلى أن “من المشكلات التي يعاني منها السودان أن ليست لديه بحيرات لتصريف المياه الزائدة. ما يعتبر سبباً مهماً لتزايد مخاطر ارتفاع منسوب المياه على النيل”.
ضعف البنية التحتية
ومن جهة أخرى، يلاحظ المهندس أيمن عثمان، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن “العاصمة الخرطوم بحاجة إلى خطة لتطويرها من خلال تحديد الأولويات ومواطن الضعف، فضلاً عن الحاجة إلى تحديد مستويات الأمان”.
ويلفت عثمان إلى أن “ضعف البنية التحتية ضاعف من حجم الخسائر التي تعرضت لها المناطق داخل الخرطوم وخارجها بسبب الفيضانات السنوية والتي أنهكت جهود إنعاش الموارد المالية والبشرية المحدودة في البلاد”.
ويضيف “تمثل التنمية غير المتوازنة الحلقة الأضعف في التخطيط الحضري لكل مناطق السودان. لذلك لا بد من اتباع التخطيط الأفضل مستقبلاً في تنمية البلاد ككل، ومنح مزيد من الاهتمام للمدن الأخرى غير الخرطوم كي تتمكن من تحمل الضغط، خصوصاً عند حدوث حالات كوارث طبيعية كالفيضانات وغيرها”. ويلفت إلى أن “المناطق التي تعاني من الغرق، أياً كان نوعه، تتطلب من الحكومة السودانية قيامها بإجراءات عاجلة لتنظيم الموارد المائية، لكن بشكل عام إن السودان يعاني من وجود شبكة واسعة من البنية التحتية لوسائل السيطرة على الفيضانات”.
ويستعرض عثمان الحلول التي يمكن من خلالها تفادي السودان مخاطر الفيضانات الموسمية، بقوله “يشكل التخزين أهمية قصوى لتقليل مخاطر الفيضانات من خلال بناء المزيد من الخزانات والبرك لحجز المياه عند المنبع، ولا بد من استعدادات مبكرة وبشكل مكثف. فالاعتماد على وضع أكياس الرمل كحواجز في ضفاف النيل ليست الحل الأمثل، ولا بد من أن تكون هناك أرصفة خرسانية على طول مجرى النيل”.
سن تشريعات
ويشهد السودان سنوياً نوعين من الفيضانات، أولاً الناتجة من كثافة هطول الأمطار والسيول خلال موسم الأمطار التي تسقط داخل الأراضي السودانية خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وثانياً ما يحدث من فيضانات نهر النيل الأبيض.
وكان وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر إبراهيم أرجع سبب الفيضانات التي اجتاحت البلاد في الأيام الماضية إلى هطول الأمطار الغزيرة على الهضبة الإثيوبية، والتعدي العمراني على مجرى النيل في الخرطوم على وجه الخصوص، والسكني في المناطق المنخفضة والأودية، مما أدى إلى ارتفاع مناسيب المياه، فضلاً عن غلق مجاري التنفيس في بعض المناطق. لكنه أكد بدء انخفاض مناسيب النيل في الخرطوم إلى 17.65 متر، متوقعاً حدوث انخفاض تدريجي في منسوب المياه في الخرطوم بسبب انخفاض المياه الواردة من خزاني الروصيرص وسنار، وانخفاض المياه الواردة للنيل الأزرق عند محطة الديم قرب الحدود الإثيوبية.
وأشار في مؤتمر صحافي عقده، الثلاثاء 8 سبتمبر (أيلول)، إلى أن الخزانات السودانية، خصوصاً الروصيرص وسنار ومروي، لعبت دوراً مهماً في كسر حدة الفيضان، وأدت إلى تقليل حجم الكارثة.
ودعا مدير الدفاع المدني في السودان اللواء أحمد عمر سعيد إلى سن تشريعات تبعد المواطنين من المساحات الفيضية، والسكن في المناطق المنخفضة قرب الأنهر والوديان، مؤكداً أنه ما لم تتخذ قرارات صارمة فإن الكارثة ستتكرر بشكل أسوأ مما هي عليه الآن.
وأدت الفيضانات حتى الآن إلى مقتل 102 شخص، وإصابة العشرات، وانهيار نحو 70 ألف منزل ومئات المدارس والمنشآت العامة. فيما أعلنت الحكومة السودانية حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر.