شحذوا سكاكينهم لمعركة يستعجلونها .. وانقسم القوم بين (إسلامية) يتنادى لها سياسيون إنقاذيون ومعهم جموع من غير أهل السياسة، و(علمانية) يؤمها مسلحون ومسلمون وغير مسلمين بشعار الدين لله والوطن للجميع.
هل هذه هي معركة الوطن الحقيقية الآن ؟
هل ذابت المعاناة الاقتصادية الهائلة، وانزاحت كوارث الأمطار والسيول ومخاطر كورونا والأوبئة المتوقعة بعد الخريف والسيول ومعاناة النازحين واللاجئين وتردي البيئة، وغيرها من المشكلات؟ بأي منطق نتجاهل الأهم وندلف مغمضي الأعين إلى الأقل أهمية ؟
ثم .. هل يريدها القوم دولة تقوم على فصل تعسفي للدين عن (كل) القواعد التي تسيّر الحياة ؟ إن كانوا كذلك فعليهم أن يعلموا بأنهم يعيدون تدوير مشاكل الهوية ويشعلون بشكل مبكر عداء فئات ليست قليلة من الشعب السوداني.
أم أنهم يريدونها دولة إسلامية ؟ إذن فعليهم أن يكونوا مستعدين بنموذج غير النماذج الفاشلة التي جعلت السودانيين في حالة كراهية مطلقة للنظام المباد، كما عليهم أن يقنعوا السودانيين بنموذجهم وسط عالم يمور بالتمزقات الإسلامية وتشوهاتها من حركات الإقصاء والتطرف والتشرذم والفشل والتكفير بكل أشكاله وأنواعه، وهذه مهمة جد صعيبة إن لم تكن مستحيلة، إضافة إلى أن مجرد التلميح بدولة إسلامية فيه مخاطرة عظيمة باستقرار البلاد وتماسك وحدتها وتصالح نسيجها وتقبل العالم، حتى العالم الإسلامي، لها.
إن القواعد الكبرى لبناء دولة مستقرة لا تقوم على منطق الأغلبية والأقلية، لكنها تقوم على مبدأ القبول الجمعي لعقد يمثل كل الناس، لا أغلبهم، يرتضون به أن يعيشوا معا في ظل جغرافيا سياسية محددة، دون أن يكونوا مضطرين لخيار الانفصال عن كيانهم الأم. ولو اتجه علماؤنا وشيوخنا من أهل العلم الديني السليم إلى قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) المستنبطة من الأدلة الشرعية كقوله تعالى ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم) لأناروا دروبنا بمسالك آمنة، كما أنهم لو اتجهوا للقاعدة الأصولية (الضرورات تبيح المحظورات) استنادا إلى النص القرآني (إلا ما اضطررتم إليه) .. فإن الحفاظ على الدولة السودانية موحدة متماسكة سيبقى ضرورة محمية بالنصوص ولو كان ثمنها وقوف هذه الدولة على مسافة واحدة من كل المعتقدات.
أثق أن العقل السوداني قادر على ابتكار ما يشبه السودانيين لا ما يشبه غيرهم، والنص في الدساتير على دين الدولة ليس مقدسا بحيث لا يمكن تجاوزه، كما أن مصادر التشريع يمكن أن تكون مزيجا لمحتوى المكون السوداني من عقائد وثقافات وأعراف وإرث تشريعي وسوابق قضائية بحيث تكون كلها في خدمة الهوية القائمة على المواطنة .. وتلك مهمة ليست عسيرة على الإرادة الوطنية.
ويبقى الأهم .. هو الاهتمام بالحاجات العاجلة للشعب السوداني حاليا.. تخفيفا للضوائق والكوارث .. وتسهيلا لمعاش الناس قبل أن نشحذ سكاكيننا لنغرسها في أجساد بعضنا البعض، وقبل أن نمزق الوطن ليصبح شتاتا واهنا من بعد وحدة عصية على التفكك.