في حفل لعركي في فندق كريستال سيتي بفرجينيا، نزل عركي من غرفته بالطابق الرابع، متهيئاً لخوض غمار بحر من المعجبين، اصطفوا على جوانب الممرات والردهات، عمم وتياب وبدل وشلنكفات، شفع ورضع وجلاكين، وبنات ونساء وأفواه وأرانب، وكنت تسمع من جهة الصالة المكتظة بالخلق، العازفون وقد بدأوا في إعمال آلاتهم، منهمكين في عزف مقدمة، لو كنت ناكر للهوى، فوجئ الفنان بالناس يحملون الكاميرات والتلفونات لالتقاط الصور التذكارية، وآخرون يودون الحديث المسهب إليه
تتذكر لمن جيتنا في الدويم في عرس محمود أخوي….
هي يا عركي أنا نعمات ما عرفتني؟ سمنت شوية
ولغط وعياط وزياط، والأغنية التي بدأت على خشبة المسرح في الجانب الآخر، تلح عليه في الإسراع… تلفت الفنان في حيرة، يمينا ويساراً، حجظت عيناه رعباً، من داخل اسره، كنت أنا واقفاً، أتأمل في المشهد، من على جانب مقابل له، رآني، فرفع يده يناديني، وهو يناوش في المد الذي بدأ يتقدم إليه مثل الفيضان، قلوب عامرة بالحب ، ومكسرين ومكسرات، أحياء منهم وأموات، وناس شايلين ملايات، والجاب عتود والجتب بتيخة…. المهم وصلت، وأنا اتصور أنه يريد خدمة سريعة أو ليسأل سؤالاً عابراً، ولكنه ولدهشتي، قبض على رسغي بقوة، ثم امرني بلهجة حاسمة منغومة
خارجني من الحتة دي…
فسمعتها وكأنها
تيهي يا حلوة
وانطلقت يجرني جراً نحو صالة الحفل، ثم بدأ معي حديثاً، بوجه صارم القسمات، وضاح المحيا، بدا وجهه للبشرية التي تحيطنا بزحفها الميمون، جاداً، فبدأوا في الانحسار عن طريقه، فكأنما أحسوا بأن في الأمر، حديث خاص، حديث مهم جداً، إنحسر الطوفان، عدا تحيات مغلفة بخيبة من أفلت منه صيد ثمين، وكلمات مبعثرات
يا استاذ.. ما عرفتني.. المدام… بتسلم.. ياخ شيلا هدية..
وهو كاسح لا يأبه بالإجابة، وكان يتحدث معي دون انقطاع، وأنا أجيبه بكلمات قلائل، ومرات بهزة من راسي، ثم أنني عشت الدور، بعد أن تفهمت تماماً الوحسة التي هو فيها، فلو أنه حاول مجرد المحاولة، أن يقف لمجاملة أي من الشعب المتراص كالمتاريس في ردهات الفندق، لأنتهي به الامر لألغاء الحفل، إكراماً لأخذ صور تذكارية هنا، وأخري هناك…
ألحقي يا عفراء …. صورة يا استاذ مرة تانية، الفاتت غمدت فيها
صورة مع التيمان بالله يا استاذ
دقيقة يا استاذ الميكب ساح…
وهكذا
والعازفون يمنجرون منجرة السنين، والعاشقون الطيبون، والمناضلون، بدأوا في ترديد الأغنية، حتى وقبل أن يصل صاحبها…
كنت غفرت ليك…
وتاني ما حافظين.
ثم وبعد لأي وجهد، دخلنا الصالة، فضجت الامة بالتصفيق، وفجأة أفلت الفنان يدي، وكأنني لم أكن، وكانت آخر جملة ، أو بالأحرى سؤال، وجهه لشخص خفي، لم ينتظر حتى الإجابة مني
ديل منو القاليهم يبدو بالأغنية دي؟
ثم صعد الخشبة
وحدث ما حدث!
بخاف وواحشني يا قليب مالك علي…..
تاني يوم من الدغش، منعم الجزلوت ضرب لي، ثم دخل في الموضوع مباشرة
والله يا ابو السرة، أنا أموت وأعرف عركي كان بيتكلم معاك بجدية كده بقول في شنو؟
قلت ليه كان بيسأل فيني، عن طبل!
طبل يعني دربكات؟
لا طبل يعني اقفال
كيف يعني؟
كده والله، قالي عندي شنط كتااار وراجع السودان، وين ألقى طبل، قلت ليه في الدولار ستور، قالي بكرة كان ربنا حيانا توديني، عايز سبعطاشر طبلة لسبعطاشر شنطة.
إنفجر الجزلوت ضاحكاً، لمدة ربع ساعة على الأقل، ثم قال وهو يتنخج:
ونحنا والناس الواقفين، طلعت إشاعة، قالو تاج السر الملك، إتضح أنه بيفهم في المزيكة، فهم عجيب، لدرجة أن عركي شخصياً قبل ما يطلع المسرح، سمعناه بيستشير فيه، أنا هسي أخش في الاغنية دي بياتو سلم؟ سمع اضانا، قال لعركي ما تخش في الاغنية دي ب (جي ميجور) خش ب (جي ماينور) ولمن تجي في (الكاونتر بوينت)، غير السلم ل (دو) وخلي السولفيج للنهاية. هههههههههههه. أقسم بالله كان كلام في الطبل.