الفأس وقد وقعت بالرأس. أميركا علّـقت قرار رفع العقوبات (بصورة نهائية) عن الحكومة السودانية لثلاثة أشهر أخري تكون فيها الحكومة في فترة (حُسن سير وسلوك).. وسبب هذا التعليق -من وجهة نظرنا-هو أن سلوك الحكومة لم يكن (حميداً ولا حسناً) طوال الستة أشهر الماضية..
ولقد تمنينا أن ترفع أميركا هذه العقوبات رأفةً بأهلنا أولاً – وثانياً لنري نهاية (كضب) هذه الحكومة التي ما تركت مظهراً من مظاهر فشلها إلّٙا وعلّٙقته بالعقوبات- ولكن أميركا لم تفعل بكل أسف.. ولن تفعل في المستقبل -غالباً- ما لم يتغيّر سلوك الحكومة بطريقة (مناسبة) بالمعيار الأمريكي..
صحيح أن أميركا ليست مهتمةً دائماً بسلوك أصدقائها في مسائل الحريات وحقوق الإنسان إلّا إذا أخذ الشعب الأميركي علماً بإنتهاكاتٍ مّٙا يرتكبها هؤلاء الاصدقاء (وجِهاراً)..وفي حال السودان فلقد علِم الشعب الأميركي عن حكومتنا هذه الإنتهاكات الفظيعة التي تمارسها (بحق شعبها)..ومع هذا كان يمكن أن تتغاضي الحكومة الأميركية لو أن السودان دولةٌ مهمةٌ -كبعض الدول النفطية مثلاً- التي تُنتهك فيها الحريات أحياناً ربما بأكثر مما في السودان.. ولكن السودان -من أسف- ليس مثلها ولا يدانيها غِنيً..ثم أنه (مجاهرٌ جداً) بتلك المعاصي !!
الحكومة السودانية كثيراً ما تخطئ قراءة الإشارات من الطرف الآخر.. وحتي الأمس ما زال وزير خارجيتنا يردّد أن (مسألة الحريات وحقوق الإنسان) ليست ضمن المطلوبات الأميركية الخمس التي علي أساسها تقرر الحكومة الأمريكية مدي تعاون حكومة السودان لترفع عنها العقوبات.. والحقيقة فإنّ الحكومة السودانية تخطئ خطأً عظيماً بهذا الإعتقاد..كما أن هذا الإعتقاد مُخزٍ ومخجلٌ في ذات الوقت..إذ معناه أن الحكومة تعتقد أنه (مسموحٌ) لها أن تصادر الصحف وتكمم الأفواه وتعتقل الناشطين (من شعبها) وتحاكمهم وتنتهك حرياتهم وسوف لن يزعج ذلك الشعب الأميركي في شئ!!!! وهذا غير صحيح طبعاً..
والواقع أنّ الأميركان يراقبون ويرون بأعينهم ما تفعله الحكومة بشعبها في مسألتي الحريات وحقوق الإنسان ولن تستطيع حكومتهم أن تتجاهل ذلك مراعاةً (لمشاعر) شعبها حتي ولو لم يهمها هي هذا الأمر شخصياً.. ولهذا تقدّم أكثر من خمسين عضواً بالكونجرس إلي الإدارة الأميركية بعدم رفع العقوبات.. ولا يمكن أن تتجاهل الحكومة الأميركية هذا الضغط الهائل حتي إذا لم يوافق هواها !!!
أميركا -تحت إدارة ترامب – فيما يبدو راغبةٌ جداً في رفع العقوبات علي الرغم من أنّ سياسة الرئيس ترامب الواضحة هي (كنس) كل إنجاز لإدارة أوباما وبلا إستثناء..وسبب هذه الرغبة الأميركية في رفع العقوبات أن السودان كان (كريماً وجواداً ومعطاءً ومتعاوناً) معهم بشكلٍ مدهش..ولكن الحكومة السودانية ظلت تُحرج الإدارة الأميركية (أمام شعبها الأميركي) بإنتهاكاتها لحقوق شعبها السوداني في مسألتي الحريات وحقوق الإنسان.. وسوف (تنحرج) أميركا مرةً أخري بعد ثلاثة أشهر إذا ظلت الحكومة السودانية علي هذه (المجاهرة) بالإنتهاكات المتكررة واللا مبالية.. ويزيد من عبثية موقف الحكومة (عنتريات العاجز) هذه التي تمارسها في التعامل مع هذا الملف كإعلانها تجميد (التفاوض) مع أميركا لثلاثة أشهر مماثلة!! وأقول (عنتريات العاجز) لأن الحكومة تعلم تماماً أن ليس ثمة تفاوضاً حقيقياً يجري مع أميركا..بل هناك مطلوبات أمريكية فقط مطلوبٌ من الحكومة السودانية تنفيذها ليس إلا..!!
مما يُحزِن الشعب السوداني جداً أن يعلم أن سبب عدم رفع العقوبات هو أن أمريكا تعتقد أن حكومتهم السودانية تنتهك حقوقهم وحرياتهم وتعاملهم بإحترامٍ وتقديرٍ أقل مما يستحقون !! بمعني أن الحكومة الأمريكية أكثر رأفةً ورحمةً وإحتراماً للشعب السوداني من حكومته السودانية..!! وهذا في حدِّ ذاته أمرٌ يجب أن يكون مخجلاً للحكومة السودانية إذا كانت ما تزال تعرفُ الخجل!!!