لا أدعي انني لن أتحدث عن السياسة التي تلاحقني بأخبارها الموجعة في هذه القارة النائية، ولا أستطيع البعد بنفسي عن هموم الوطن والمواطنين، خاصة بعد ان تكالبت عليهم الويلات السياسية والاقتصادية والعدلية والمجتمعية والأمنية.
للأسف بدلاً من تكثيف الجهود لدفع الحكومة الانتقالية لاستكمال مهامها وسط هذه الأنواء والتحديات، ازدادت الهجمة الظالمة عليها، رغم علم الجميع بأن كل الأزمات الحالية نتيجة السياسات السابقة.
حتى كارثة السيول والفيضان التي ألقت بظلالها السالبة على حياة الناس، وتسببت في وفاة وإصابة أعداد كبيرة من المواطنين، وتدمير مساكنهم وممتلكاتهم، تنصب الاتهامات على الحكومة الانتقالية، كأنها مسؤولة عن ضعف إن لم نقل غياب البنى التحتية والمصارف والجسور، رغم علم الجميع أن كل حكومات السودان المتعاقبة لم تنجح في إنجاز هذه المهام الضرورية، خاصة إبان فترة حكم حكومات الإنقاذ التي إستمرت على مدى ثلاثين عاما.
معروف أن الكوارث الطبيعية ظاهرة عالمية، ومازالت حتى الدول التي تمتلك إمكانيات مادية ولوجستية كبيرة عاجزة عن القضاء عليها مثل حالات التسنامي التي تعصف بالمنشات والممتلكات، والناس والعربات، في مشاهد متكررة في كثير من بلاد العالم.
في أستراليا، على سبيل المثال لا الحصر، تشهد مواسم حرائق تستمر لعدة أشهر، رغم كل الاستعدادات التي تجري كما يحدث الآن من إجراءات احترازية مسبقة؛ تحسباً لموسم الحرائق المقبلة.
نقول ذلك ونحن نعلم أن أقدار الله نافذة على مدى الأزمنة والأمكنة، وكلها محفوظة في وجدان المؤمنين لأخذ العظة والاعتبار من دون أن يعني ذلك الاستسلام السلبي في مواجهتها.
بالعكس من ذلك، فإن التعاليم الدينية التي علمتنا الامتثال للإرادة الإلهية دعتنا في نفس الوقت لأن نعقلها ونتوكل، أى أن نبذل الجهد لتلافيها، والحد من اثارها ومخاطرها. لذلك، فإنه ليس من الإنصاف إلقاء كل المسؤولية على عاتق الحكومة الانتقالية – محددة الأهداف والمحدودة الإمكانيات – إنما لابد من أن نعي الدروس العملية التي تتطلب تكثيف العمل الرسمي والشعبي والعون الإقليمي والدولي المقدر لمحاصرة آثار السيول والفيضان، كما لابد من الاستعداد الجاد والتخطيط العملي على المدى البعيد لإعمار البنى التحتية والجسور والمصارف، وعدم السكن في المناطق التي جرفتها السيول أكثر من مرة في أعوام خلت.
حفظ الله السودان وأهله، وأعانه على تجاوز هذه الويلات والابتلاءات؛ حتى يصل إلى بر دولة المواطنة والسلام والديمقراطية والعدالة والحياة الحرة الكريمة للمواطنين.