من باب المدخل الخاطيء لمفهوم أن (السمسرة) هي مهنة مَنْ لا مهنة له ، أو أنها حِرفةٌ مفتوحة الأبواب بلا قيدٍ ولا وازع لفاقدي القُدرات والمواهب والإمكانيات ، إنخرط قدرٌ كبيرٌ من (عطالى) السودان في هذا النشاط الذي خنق مُقدَّرات البلاد والعباد ، فمن حيث المصلحة العامة كان من الأجدى أن يظلوا عطالى عن العمل لأن الخسائر حينها ستكون أقل ، وفي ذات الوقت محصورة في مُحيطهم اللصيق ، بدلاً من إتساع دائرتها عبر ما يحدثونهُ الآن من مشكلات إستراتيجية بلغت حد التأثير البليغ على معاش الناس وقوتهم اليومي بقدرٍ لا يمكن تجاوزهُ ولا التغاضي عن تبعاتهُ ، إذا ما تم قياسهُ بالأعداد الهائلة من المُنخرطين في هذا النشاط الفرعي و(الهامشي) من حركة التعاملات التجارية في الأسواق.
مفهوم (السمسرة) أو العمولة في نطاق مجهودات التوفيق بين البائع والمُشتري ، هو واحدة من الأداوات الفرعية المُكمِّلة لحركة التعامل التجاري في قطاعات مُحدَّدة ومحصورة في التعاملات التجارية والخدمية الوُسطي والصُغرى والتي تقع خارج نطاق التعاقدات المحصورة عن طريق العقود العدلية واللوائح البنكية ، وفي شتى بُلدان العالم جرت الأعراف في حصرها داخل منظومات تجارية وخدمية بعينها أهمها التسويق العقاري والتسويق المُختص بالبضائع التي لا يمكن تحديد أسعارها مثل المنقولات والأجهزة والأدوات المُستعملة ، فيما عدا ذلك فإن كل عمليات البيع والشراء تكون خاضعة للعقود المباشرة واللوائح الخاصة (إن وُجدت) والتي تُحدِّد بنودها تكلفة التسويق والإستشارات وتكاليف تقدير سعر البضاعة إن كان مُختلفاً عليه أو مجهولاً.
أما أن يعتقد بعض الناس أن السمسرة هي مُجرَّد الكلام المُرسل وكثرة الحلفان والقسم والترويج المُضلِّل للمشتري عن بضائع وخدمات ومنقولات ، قد تكون أو هي في أغلب الأحيان غير مُطابقة لمواصفاتها ومُمِّيزاتها الترويجية ، فذاك لعمري ليس سوى مُجرَّد (ضحكٌ على الذقون) وتغريرٌ وتضليلٌ لو تم إثباتهُ عرَّض مرتكبهُ للمساءلة القانونية تحت طائلة الغبن والغِش التجاري ، تجدهم في أسواق السيارات يجلسون منذ الصباح وحتى المساء يتصيَّدون ما يتم من إتفاقاتِ بيعٍ وشراء ويقومون بتقنين حقهُم المادي في الإتفاق لمُجرَّد حضورهم وتواجدهم في موقع المبايعة ، بلا أدنى حياء في كون ما يقومون به هو مُجرَّد (تسوُّل) وإستجداء صدقة يطلبونها بإلحاحٍ وسماجة من البائع والمشتري ، وحينما يمُر اليوم دون الحصول على مثل هذه السوانح (الإنتهازية) يخرجون من سوقهم وعلى مُحيَّاهم سمات العطالى ، يستجدون بعضهم بعضاً أُجرة المواصلات وقيمة خبز اليوم و( كيس السَلطة والدكوة).
تحوُّل شريحة مُقدَّرة من عطالى السودان إلى سماسرة يغزون الأسواق بلا عمل حقيقي ولا قدرات ولا مجهود ، يرفع من حصيلة مُعاناتنا الإقتصادية الناتجة أصلاً من ضعف الإنتاج ، ويعمل أيضاً على رفع الأسعار وتضخُّم تكلفة السلع عبر قيمةٍ مُضافة مُستحدثة عنوانها (عمولة وسمسرة) ، هي في الأصل لا تقدِّم ولا تؤخر شيئاً في شكل ومضمون المُنتج الذي يتم تداولهُ في السوق ، هُم في الحقيقة سلسلة من (التنابلة) الإنتهازيين الذين ظلوا يتربَّحون تطَّفُلاً على حساب المواطن المغلوب على أمرهِ ، فالأسواق لمن لا يعلم لا يرفع أسعار بضائعها فقط تدهور سعر الصرف وضعف الرقابة الرسمية وجشع التُجار ، فالسماسرة والوُسطاء المُتعددين يساهمون أيضاً بقدرٍ كبير في تعميق المُشكلة ، فهل لوزارة التجارة وأهل القانون من حلول ؟.