تناقلت الأسافير والمنصات الإعلامية أمس الأول بياناً تنويرياً للسيدة / رئيس القضاء تناولت فيه الإجابة على إستفسارات الكاتب الصحفي بصحيفة الجريدة / الفاتح جبرا ، حول تأخر تنفيذ حكم الإعدام في مُرتكبي جريمة قتل وتعذيب الأستاذ الشهيد أحمد الخير ، وبدايةً نقول أن مُجرَّد إنبراء السيدة / رئيس القضاء للإلتفات إلى إستفسارات الصحافة وتفاعلات الرأي العام حول عمل المنظومة العدلية ،
هو في حد ذاته إنجازٌ ضخم من إنجازات الثورة ، إذ أنه يشير إلى أن الخطوات تترى في إتجاه تحويل مؤسسات الدولة من الدوران حول مُقتضيات ومصالح (الحزب) و(الأشخاص) إلى مُقتضيات ومصالح الشعب والوطن ، ولمن لا يعلم فإن تحقيق العدالة وتنفيذ حكم القانون خصوصاً في مُرتكبي جرائم ومجازر ثورة ديسمبر المجيدة هي مصلحة شعبية ووطنية عُظمى ينبني عليها مستقبل البلاد العدلي وكذلك مصير المظلومين من الكادحين والبُسطاء الذين كانوا دائماً هم لسان الحق والحقيقة ، أعودُ إلى بيان السيدة / رئيس القضاء الذي فسَّرت فيه حالة تأخير تنفيذ الحُكم في مُنفذي مقتل الشهيد أحمد الخير ، والتي أجملتها في نطاقين ، الأول هو تسلسلية وتراتُبية الإجراء القضائي من الأسفل إلى الأعلى وهي ضرورة عدلية معلومة بالضرورة لا يمكن تفاديها إذا كنا نتحدث عن (إستنفاذ) المحكوم لجميع الفُرص التي تكفل لهُ إثبات البراءة أو ما دونها من مسئوليات جنائية ، والنطاق الثاني وهو الأهم أن المرحلة النهائية التي يتم بموجبها إعتماد تنفيذ الحكم والمُتمثلة في المحكمة الدستورية التي يأتي دورها بعد إستنفاذ حُكمي محكمة الإستئناف والمحكمة العُليا ، غير موجودة حالياً في واقع المنظومة العدلية ، بعد أن تم حلها ، والمشكلة الكُبرى أن تكوينها يقتضي قانوناً خاص بالمجلس الأعلى للقضاء هو الآخر غير مُتاح ولا موجود حالياً.
السؤال الإستراتيجي الذي يتبادر إلى الذهن هو (كيف نتحدث عن دولة القانون ما بعد الثورة ونظامنا العدلي والقانوني مبتور الأيدي وآلياته لا تودي إلى نتيجة ؟) ، وقد علمنا عبر الكثير من الخُطب (الحماسية) التي أطربنا بها الكثير من قيادات الحكومة الإنتقالية ومعهم (زعماء) قوى الحرية والتغيير ، محتواها أن معظم من يتوَّلون المناصب الوزارية والدستورية هم في الحقيقية أمام (تحديات) كُبرى تتلخص في تحديات تكوين دولة المؤسسات والقانون ، أولا يمكن مساءلة وإستفسار السيدة / رئيس القضاء (دون تحميلها المسئولية) عن دورها ومجهوداتها في متابعة ودفع ملف إستكمال هياكل المنظومة العدلية عبر شرعية دائرة الإختصاص ، وكذلك عبر أبواب الحوار والنقاش التي يجب وبحسب المنطق أن تكون مفتوحة بينها وبين جميع الكُتل السياسية والرسمية والمهنية من أجل أن تُزيِّن أهم إنجازاتها في مجال إصلاح النظام العدلي بهذا المطلب الهام والإستراتيجي والوطني.
خُلاصة القول مهما كانت الُمبررِّات والصعوبات والتعقيدات ، من المؤسف أن يُعاني أصحاب الحق في دولة السودان وفي عهدنا هذا من عدم قُدرة النظام العدلي على إنفاذ أحكامهُ على من أجرموا ، فمُجرَّد التأخير والإنتظار هو (خللُ) و(ضررٌ) بالغ يقع على أولياء الدم والشعب السوداني وعلى العدالة نفسها ويقتضي أن نصف عبرهُ ميزان العدالة بالتأرجُح والإختلال ، لم يعُد يساورني شك في مُعاناة حكومتنا الإنتقالية ، من فوضى عارمة في ترتيب (الأولويات).