حركة الناس قلما تثير في الخاطر ما يجعلك تقف عنده متأملا.. فالناس قد دأبوا يسافرون في أنحاء الوطن أو خارجه ويعودون إليه.. وقد يرفع إليك أن أحد أصدقائك أو بعض اهلك قد سافر أو رجع من غربته ليستقر مؤقتا أو دائما في الوطن.. كان مثل هذا الخبر استثنائيا في القرية لأن ذلك يعني ذبيحة كرامة للوصول أو العودة.. أما في أيامنا فإنك لا تكلف نفسك حينئذ مشقة الوصول إليه للتهنئة أو تقتصر على الاتصال به تلفونيا..
لكن عودة اخي كارة فحالة خاصة.. إذ لم نشعر ببعده عنا حين غربته.. ولما ذهبت إليه مع بعض اهلي بالأمس لم يضطرنا للبحث في معاجم اللغة الاجتماعية عما يصلح من عبارات الاستقبال.. كنا نعرف كيف نشاغله واي القضايا تثيره أكثر.. وتجاوب ضيوفه واصدقاؤه ممن وجدناهم في داره العامرة أو وفدوا أثناء وجودنا معه.. فرفعوا عباءات التكلف.. وتخففوا من هيبة المجاملات المرعية في الاستقبالات العامة.. واحتدم النقاش.. ويعجبك الشيخ سعيد إذا أتيحت له فرصة النيل من الجماعة في شخصي.. ويصل في انفعاله درجة أخشى عليه حينئذ.. يطق.. دفاعا عما يراه حقا.. ولكني تمرست في اثارته.. وكلما أوشك أن يهدأ صببت له زيتا ( لعدم البنزين) فيندفع واقفا وكأنه في برنامج الاتجاه المعاكس..
وعندما يناقش الناس في السياسة ينسون الوقار.. وتتداخل المقامات.. ويرغي بعضهم ويزبد.. ويحلفون وأحيانا بالطلاق.. ويقفون ويجلسون.. والغلبة عادة لمن كان اعلا صوتا.. وأقل احتراما لضوابط الحوار .. ويغيب عنهم الحس الأمني فينشرون كل ما قراوه في النت أو سمعوه في مجالس الآخرين.. وكذلك يكون نقاش مشجعي الهلال والمريخ..
وارغى مثلنا كارة.. فإذا جلس على كرسيه قال في ثقة : آليت على نفسي الا أخوض مع الخائضين في المناقشات السياسية.. قلت له مداعبا : إذن لن تجد من تحدثه.. فالناس لا يجدون تسلية أخرى متاحة.. ويخففون ما يعانون من توتر بالمناقشات.. وأكثرها أثرا السياسية.. فالرياضية ( إذا وجدت).. ولم يعد من يخرجنا من حالتنا من أدعياء الطرب.. بعد أن تدفقت المتحولات شكليا في الساحة.. فتحولنا من مقام الطرب إلى سدة التحكيم.. ومعاييرنا : درجة الكشف.. درجة التقليد.. درجة البياض.. ودرجات أخرى حسب جيل الحكم..
الا ترانا جميعا وليس بيننا من لا يخوض مع الخائضين..
عفوا.. استفزني احد أصدقائك لما سكت عن الكلام المباح.. فقلت في سري اما انه من رجال الأمن أو أحد المسؤولين في الدولة.. ولا يمنع في اتهاماتنا الجزافية أن يكون من أعمدة الحكومة العميقة!!!
نحن.. أخي كارة.. إذا اضطررنا وحكم علينا بالوقوف في الصفوف المعلومة اياها شتمنا الحكومة.. وكذلك إذا وجدنا الأسعار تتصاعد بلا حسيب أو رقيب.. وان باءت محاولاتنا في البحث عن دواء بالفشل.. أو تراكمت الأوساخ والحفر في كل شوارعنا شتمنا سادتنا وكبراءنا سرا وعلانية..
فإذا احتربنا بالكلام انحاز كل إلى شاكلته.. فايد المؤيدون.. وفتش المغبونون عن الغلط.. حقا أو باطلا.. وهكذا الايام دول..
أو كما قال أحمد شوقي في مثل ما ضربنا له المثل : إن الرواية لم تتم فصولا..
اما الحديث عن استقبال حبيبنا كارة فخيرلوقو.. لقد انساني اياه سخف الحديث عن السياسة.. فالعتبى له..