الخرطوم -التحرير:
عمر البشير (يمين) بدرية سليمان (يسار)
قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي عضو البرلمان كمال عمر: “إن قرار تمديد العقوبات الأميركية على السودان ستكون له تأثيرات كبيرة في الحكومة والسودان”، وأشار في حوار مع (التحرير) إلى أن الحكومة ربما لم تكن تتوقع صدور مثل هذا القرار؛ لأنها كانت تعيش نشوة الحوار، وتكوين حكومة الوفاق، إضافة إلى أنها عولت على أدوار يمكن أن تؤديها السعودية والإمارات لرفع العقوبات الأميركية، وللخروج من هذه الأزمات في العلاقات مع أميركا، قال: “إن على الحكومة أن تنتهج منهجاً مختلفاً تماماً عن المنهج الحالي”. فإلى مضابط الحوار:
*كيف تنظر إلى القرار الأميركي الأخير الخاص بعدم رفع العقوبات الأميركية عن السودان، وتداعياته على راهن البلاد؟
– المجتمع الدولي له تأثيراته في كل الواقع السوداني والعالمي، وحينما لم تلتزم بالمعايير الخاصة بملف حقوق الإنسان وهو ملف مهم جداً في العالم، ويتضمن الحريات العامة والمحاكمات غير القانونية والاعتقالات، علاوة على التمييز في القانون ضد النساء، كقانون النظام العام؛ كل هذه مخالفات في حقوق الإنسان يهتم بها العالم بشكل أساسي.
وفي تقديري أن سلوك ومنهج الاعتقالات الذي تقوم به الأجهزة الأمنية خلال فترة الحوار وقبلها كان يعبر عن تكبيل الحريات؛ وكنا نتوقع أن ينتهي الأمر بعد الحوار، وهو ما لم يحدث؛ ولهذا أقول إن قرار تمديد العقوبات الأميركية على السودان ستكون له تأثرات كبيرة في الحكومة والسودان، نحن في المؤتمر الشعبي كان القرار متوقعاً بالنسبة إلينا، ولم نتفاجأ به، أما بالنسبة إلى الحكومة ربما يكون الوضع مختلفاً؛ لأنها كانت تعيش نشوة الحوار، وتكوين حكومة الوفاق، إضافة إلى أنها عولت على أدوار يمكن أن تؤديها السعودية والإمارات؛ لرفع العقوبات الأميركية، وللخروج من هذه الأزمات في العلاقات مع أميركا على الحكومة أن تنتهج منهجاً مختلفاً تماماً عن المنهج الحالي، وربما لقاء الأمير القطرى مؤخراً لرئيس المحكمة الجنائية فيه إشارة واضحة إلى مدى فصل هذه الدول بين مواقفها الخاصة والتعامل مع المؤسسات الدولية، وهو ديدن الحكومات المحترمة، وهذا اللقاء يمكن أن تكون له مؤشرات سالبة إذا قرأناه مع موقف السودان الحالي من الأزمة الخليجية؛ وخلاصة القول: إن تمديد العقوبات رسالة للنظام بضرورة تغيير منهجه السياسي الحالي.
* ماذا تقول في قرار الحكومة تجميد لجنة التفاوض مع أميركا ؟
– هذا في تقديري قرار غير مدروس، وموقف أحادي لم يصدر من الحزب، وإنما صدر من الرئيس البشير، كرد فعل غير مدروس يكشف حجم الغضب من القرار الأميركي.
*أنتم الآن جزء من هذه الحكومة.. هل أنتم غير راضين عن تشكيل حكومة الحوار الوطني؟
– نحن في المؤتمر الشعبي غير راضين تماماً عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ولا أعتقد أن هنالك رضا حولها حتى عند الأحزاب التي كانت تشارك في الحكومة من قبل كالاتحاديين؛ وذلك لأن المؤتمر الوطني هيمن على كل الوزارات الأساسية والفاعلة، كما هيمن على البرلمان ولجانه، وترك الفتات لقوى الحوار، وألغى كل آليات الحوار، ومن ثم لا توجد شراكة في السلطة بالمعنى الحقيقي، كنا نرى أن علاقتنا معهم عبر الحوار هي شراكة، لكن المؤتمر الوطني استحوذ على كل شيء، ولهذا فهو وحده يتحمل مسؤولية ما يحدث لعدم التزامه بتنفيذ مخرجات الحوار، والآن كل الأحزاب التي شاركت في الحوار أصبحت (كومبارس) بما فيها حزبنا (المؤتمر الشعبي)، وأنا شخصياً كنت من أكثر المدافعين عن الحوار الوطني، ولكنني الآن أعلن أن الحوار يحتضر في غرفة الإنعاش، وسبق أن قلت إن الحريات انتهت بعد ما أدخلت بدرية سليمان من تعديلات عليها؛ وأنا الآن على يقين تام أن المؤتمر الوطني بعقليته التي يدير بها البلاد لا يمكن أن يحدث أي تقدم في ملف الحريات، و لهذا نحن بحاجة إلى حوار جديد ننعش به الحوار الوطني.
* وما رؤيتكم لإنعاش الحوار؟
– لن نسكت على ما يحدث، وسوف تبدأ معركتنا من داخل البرلمان ولجانه من أجل تعديل القوانين المقيدة للحريات، وفي مقدمتها قانون الأمن الوطني، ولن نتخلى عن منهج الشيخ حسن الترابي الذي كان لا ينظر فقط إلى مصلحة الحزب، وإنما إلى مصلحة الوطن؛ لذا فإن كل الخيارات مفتوحة أمامنا، حتى لو عدنا إلى صف القوى السياسية التي لم تخض الحوار، وظلت تنادي بإسقاط النظام، فالمهم لدينا هو تغيير هذا الواقع، وليس المشاركة والمؤتمر الوطنى لم يدرك هذا الأمر بعد.
* الأزمة داخل الحركة الشعبية (شمال) وصلت مراحل متقدمة ما تأثيرها في مستقبل السلام في السودان برأيكم؟
– ما حدث داخل الحركة الشعبية- قطاع الشمال- أمر مؤسف وله تأثيراته بالتأكيد في مسار السلام في البلاد، وخصوصاً في المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق)، وأعتقد أن ما حدث نتاج لإرهاصات قديمة ورثها قطاع الشمال من الحركة الشعبية الأم؛ وذلك لأننا ندرك أن التكوين الذي أُسست عليه الحركة الشعبية لم تغب عنه الأثنية الضيقية والجهوية، وهذا الأمر لم يمثل بشكل صحيح في القيادة العليا، ومن ثم كانت له تأثيراته التي أدت إلى انفجار الوضع.
وأنا في تقديري ليست هنالك أيدٍ خارجية دبرت هذا الأمر، والمؤتمر الوطني ليس بهذه القوة التي يخترق بها تنظيماً كالحركة الشعبية، ولكن المعضلة كانت في بنية الحركة، وعدم تماشي هذا مع رغبات الجمهور، وأنا أحسن الظن أن قياداتها خصوصاً ياسر عرمان ومالك عقار كانا يؤمنان بالفكرة التي ارتكزت عليها رؤية التغيير التي تبنتها الحركة الشعبية كحركة للهامش، لكن هذا الأمر لم يجد طريقه مع الحاضن الإثني والقبلي لبنية تكوين الحركة الشعبية، لذا فإنني أناشد قيادتها بضرورة التفكير ملياً في إعادة اللحمة، ووحدة الصف لأهمية الحركة في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
*المؤتمر لشعبي متهم بأداء أدوار خفية في الحوار لمصلحة المؤتمر، الوطني كيف ترد على هذا الاتهام؟
– هذا غير صحيح، نحن عملنا بصدق لإنجاح الحوار وفق الرؤية التي اتفقنا عليها، ولم نتساهل مع أطروحات الحزب الحاكم، وأنا في لجنة الحريات وقفت أمام قانون الأمن الوطني، وكان رأيي واضحاً، لكن المؤتمر الوطني استطاع أن يدجن مجموعة السبعة التي تمثل المعارضة لمصلحته، والآن هم بالقصر الجمهوري وزراء مكافأة لهم ولدورهم، ولا أحد يستطيع أن يزايد علينا في هذا.
*هل تعتقد أن قرار خروج جزء من قوات الأمم المتحدة (يوناميد) من دارفور في التوقيت مناسب في ظل الوضع الأمني الذي يعيشه الإقليم؟
– نحن مع أمن وسلام دارفور، ولا نستطيع أن نقول في الوقت الراهن إن دارفور آمنه بالقدر الذي يجعل الأمم المتحدة تسحب قواتها، لكنني أعتقد أن مسألة الأمن في دارفور مسؤولية الحكومة السودانية؛ وبمن ثم، فإن القرار الأممي لا يهمنا بقدر ما تهمنا مسألة الأمن في دارفور، ولا أعتقد أن الحكومة قادرة على حسم مسألة الأمن في ظل ما نراه من عدم استقرار في أوضاع الحركات المسلحة، وما تقوم به الحكومة من محاولات ضعيفة لشق صفوف تلك الحركات، وإغراء بعض القيادات فيها لتوقيع اتفاقيات سلام أحادية معها، فهذا النهج في تقديري لن يولد إلا مزيداً من الصراع في دارفور، ولن يخدم عملية السلام والاستقرار.
*كيف تنظرون إلى إنتشار حالات مرض الكوليرا بالبلاد، والتعامل الحكومي مع هذه الكارثة؟
– هذه كارثة صحية، والحكومة من المعيب عليها أنها تتهم الجنوبيين بأنهم حملوها إلى السودان في الوقت الذي قامت فرقنا الخاصة بزيارة معسكرات اللاجئين الجنوبيين لم تشهد فيها وضعاً كارثياً كما يحدث في بعض مدن البلاد، وفي تقديري على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تسمى المرض باسمه، وهذا في حد ذاته يرفع من وعي الناس؛ لأنهم سوف يمتلكون حقيقة الأمر، ومن ثم، يأخذون الحيطة والحذر، ولكن أن تتجاهل الأمر، وتتستر عليه فهذه هي الكارثة.