«سعد قشرة» اسم لا يمكن تجاوزه، ومكان لا تخطئه العين، فهو استثنائي، لقد ذاع صيته في كل أرجاء الدنيا كعنوان ومكان، ومعلم بارز يقع في قلب مدينة الخرطوم بحري بعد أن تحول إلى ملتقى لكل أهل السودان والجاليات العربية والأجنبية للتسوق !!
سعد قشرة الآن يضاهي أسواق ذات صيت وشهرة في كثير من المدن العربية خاصة بعد الشهرة التي نالها والموقع المميز الذي يحتله، ولكن من أين جاء الأسم ؟!
سعد صالح ذلك الشاب الذي قدم لمدينة الخرطوم بحري من دولة اليمن الشقيقة وكان ضمن عدد من أبناء تلك الدولة الذين توافدوا في فترة الخمسينيات إلى السودان وأشتهروا (بالدكاكين) التي كانت تنتشر في كل بقعة من الخرطوم، خاصة مدينة بحري, كان سعد وبعض أبناء بلده يتجمعون يومياً أمام دكان ود ناجي, وهو يمني معروف في مدينة بحري, كان يسكن جوار مستشفى الخرطوم بحري ويمتهن مهنة التجارة من خلال طبلية كبيرة ذات عجلات، وكان منزله عبارة عن دار مفتوحة لكافة أبناء الجالية اليمنية في ذلك الزمان, ينطلقون منها في رحاب المدينة بحثاً عن الرزق وكان أغلبهم يعملون في بيع الماء على (الخرج)!
كان سعد صالح واحداً من هؤلاء الذين امتهنوا هذه المهنة, بجلب الماء للمساكن على كتفه بعد أخذها من بئر تقع في المنطقة الواقعة شمال غرب معتمدية بحري الحالية، وكان سطح البئر مجلداً بخشب الأوبرايت الأسود ويتم استعمال الصبابة لصب الماء في داخل (الخرج) والصفائح بالدلو، وكان سعر الصفيحة بـ(3) ملاليم فقط. إجتهد الصبي سعد صالح في هذه المهنة إلى أن كوَّن رأس مال كبير أهله لأن يشتري منزله الحالي الواقع في حي الديوم بحري غرب موقع السوق الحالي ثم جعل من إحدى غرف منزله دكاناً بعد أن فتحها على شارع المعونة، وكان يعمل في الدكان بنفسه ثم عيّن صبية للعمل معه وظل يقضي جل يومه جالساً على كرسي قماش أمام دكانه يراقب عماله ويلتقي بعض معارفه الذين يأتون للأنس واحتساء أكواب القهوة والشاي.
في هذا الصدد قال صديقه الشاعر سعد قسم الله كشاهد عيان: لا أعرف هل اشترى سعد هذا المنزل أم منحته له الأراضي بحكم السنوات الطويلة التي قضاها في السودان، خاصة وأنه دخل بحري وكان عمره عشر سنوات. وأضاف: كانت منطقة الديوم جديدة مثل منطقة الختمية، وأشار إلى أن سعد كان رجلاً فاضلاً جداً ومحبوباً من كافة الناس لتعامله الطيب ومخالطته للناس بخلق حسن وكان قد أنشأ سبيلاً مليئاً بالأزيار أمام دكانه كصدقة جارية وكان يهتم به جداًَ!!
- سر التسمية؟!
لكل شئ سر وسر تسمية دكان سعد صالح بـ(سعد قشرة) يقال إن المنازل في ذلك الزمان كانت بسيطة في بنيانها, وحتى لا تتسبب الأمطار في خسائر فادحة كان سعد ذكياً جداً فاشترى جوالات من قشر الفول السوداني بعد أن أضاف (طوبة) خارجية للجالوص ثم أدخل عليها قشر الفول كحماية للمباني، وظل الناس يرددون سعد (قشَّر بيتو) ثم تحول الاسم إلى سعد قشرة, هذا الأسم الذي ظل خالداً في الأذهان منذ الستينيات!!
ويقول بعض أهالي بحري: كانت البكاسي أو (البرينسات) كما يطلق عليها في ذلك الوقت تقوم بنقل الركاب من المحطة الوسطى إلى شمبات، وعندما تصل مكان دكان سعد صالح تنادي:(سعد قشرة حد نازل)- وكذلك بصات أبو رجيلة كانت تنادي أيضاً بنفس الطريقة وبذلك ظل الإسم خالداً إلى يومنا هذا.
وتزوج سعد صالح أو سعد قشرة طيب الله ثراه من اسرة سودانية يمنية وأنجب ولداً وثلاث بنات ومازالت زوجته على قيد الحياة أطال الله في عمرها وهم الآن يتداخلون مع كافة أبناء بحري في صلات طيبة وأخلاق فاضلة باعتبارهم يحملون صفات السودان واليمن تلك الصفات الفاضلة المعروفة بالمروءة والشهامة.
المعروف أن السوق الواقع جوار منزل سعد قشرة والذي حمل الإسم كان في سابق الزمان عبارة عن ميدان لكرة القدم في فترة الستينيات وكان في الركن الشمالي الغربي الذي يقع فيه بوتيك سحر الشهير الآن, كان يوجد في هذا الموقع كشك لبيع الليمون يلجأ إليه أهل المنطقة ولاعبو كرة القدم لتناول (كوز الليمون) البارد، وكان صاحبه يسمى سليمان أبو داؤود، لقد كان موقع السوق الحقيقي يقع في الميدان الذي توجد فيه الآن مواصلات الجيلي والحلفايا، وقامت سلطات البلدية آنذاك بنقل السوق إلى هذا الموقع وحمل ذات الإسم، وكان عبارة عن رواكيب تعرضت للجرف أكثر من ثلاث مرات إبان عهد الرئيس الراحل جعفر نميري. - ختاماً نقول إن سعد صالح أو سعد قشرة كان عبارة عن جسر إنساني بين السودان واليمن، وقد أصبح معلماً بارزاً ومتعة للتسوق.