عندما نتحدث عن الوضع الصحي في الولاية الشمالية عموماً، فالحال يغني عن العرضحال، حيث ظلت المستشفيات والمرافق الصحية مجرد لافتات خالية من الكوادر الطبية، وتفتقر لأبسط الأدوية المنقذة للحياة، وتبدأ معاناة المرضي بشد الرحال إلى الخرطوم أو السفر إلى الجارة مصر لتلقي العلاج رغم ضيق ذات اليد، ولكن “كشوفات” الدعم من الأهل والخيرين تجبر الخاطر، وتغطي جزءاً من التكاليف الباهظة.
استمرت المعاناة في قرى وهجر ومدن الولاية، طيلة العهود السابقة، وكثير من المستشفيات يتم تشغيلها بالدعم الأهلي في ظل تجاهل حكومي غريب لتلك المناطق البعيدة، حتى ظننا أن سكانها ليسوا ضمن خارطة هذا البلد، وظل المركز يستحوذ على نصيب الأسد من الاهتمام الحكومي، مقابل إهمال تام لذلك الشمال البعيد.
وهذه الصرخة من أجل مستشفى عبري الريفي، الذي يبعد عن الخرطوم أكثر من 715 كيلو متر شمالاً، وتم تأسيسه ليخدم أهالي منطقة السكوت التي تضم نحو 29 قرية على امتداد نهر النيل، ولكن للأسف هذا المستشفى لا يوجد به إمكانيات لخدمة حتى أهالي عبري دعك من بقية القرى، ولا تتوافر فيه أبسط المقومات الصحية، ويعاني من تدهور في الأصول والمباني، كأنه متحف تاريخي، وليس مستشفى لاستقبال المرضى.
واليوم يعاني أهالي منطقة عبري من ظهور حالات كثيرة من الحميات، وظهور أعراض (صداع، حمى، كحة، إسهال)، وبسبب عدم جاهزية المستشفى الوحيد في المنطقة، يتم تحويل المرضى إلى دنقلا أو الخرطوم لتلقي العلاج، واليوم الوضع ينذر بزيادة في عدد الحالات، ما يستوجب على وزارة الصحة بسرعة إرسال فريق طبي مجهز للكشف على هذه الحالات ومعرفة نوع المرض، هل هذه الحميات مصاحبة للفيضانات أم هي الموجة الثانية من فيروس كورونا، وكل الاحتمالات ورادة في الظروف التي نمر بها اليوم، ولذلك يجب الإسراع في تشكيل غرفة طوارئ صحية، لمحاصرة المرض قبل أن يتفاقم الوضع ويخرج عن السيطرة، وإعلان حالة الطوارئ الصحية بعد التقييم.
كما نناشد المنظمات الصحية والبيئية، بتقديم الدعم العاجل، والتصدي لهذه الحميات، قبل أن تتحول إلى وباء شامل، ومساندة الأهالي بالمعينات لتنظيم حملات شاملة ومتكاملة لإصحاح البيئة والقضاء على نواقل الأمراض في المنطقة.
وندعو أيضاً، لجان المقاومة في منطقة عبري وكل قرى السكوت، وقوى الحرية والتغيير، بعمل استنفار رسمي وشعبي، والتحرك السريع لحماية الأهالي من هذه الحميات التي بدأت في الانتشار بسرعة، وعمل خيمة ميدانية في مستشفى عبري، لتقديم التوعية الصحية، وتقديم العلاجات السريعة.
وننتظر بعشم كبير، تحرك الكوادر الطبية من أبناء المنطقة، لدعم الخيمة العلاجية، والمشاركة حسب الاستطاعة، والوقوف في الصفوف الأمامية، لأن المعركة طبية، جنودها الأطباء والممرضون وكل من يعمل في الحقل الصحي، وعلينا أن لا ننسى ضرورة الالتزام بإجراءات كورونا، والتباعد الاجتماعي بقدر الإمكان، لنتجاوز معاً هذه الظروف الاستثنائية القاسية.. ونتمنى الشفاء العاجل للمرضى.. حباً ووداً..