يجري غداً السبت (3 أكتوبر 2020م) توقيع اتفاق السلام
الشامل بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، ويحدو السودانيون أمل كبير
في أن يتشاركوا في طي صفحة النزاع والحرب، وفتح صفحة الاستقرار والسلام والتنمية.
ولا مجال للشك أن هذه الاتفاقية على الرغم مما يمكن أن
يوجه إليه من نقد من بعضنا، إلا أن يختلف تماماً عن اتفاقيات النظام البائد، التي
كانت تقوم على الترضيات، وضرب الأسافين، واستخدام سياسة فرق تسد بلؤم يحسد عليه
أهل الإنقاذ، من أجل مدّ عمر نظامهم، وقد نجحوا في ذلك كثيراً، وإلا ما كانوا
ليستمروا ثلاثين عاماً قابضين على رقاب الناس.
من إشراقات هذه الاتفاقية أن يكون الأشقاء في جنوب
السودان الدولة الوليدة في مقدمة صناعها، إذ بذلوا جهداً كبيراً في تقريب وجهات
النظر، ومعالجة المشكلات، بوعي، وباستدعاء خبرات السنين، وهم أكثر من عانوا من
التهميش في سودان المليون ميل.
هذا الجهد الرائع يؤسس لعلاقة متميّزة تتجاوز محن
الماضي وآلامه، ويعين على بناء جسور للتفاهم حول الموضوعات العالقة بين البلدين
بروح الإخوة التي أبرزتها المفاوضات.
وتجمع الأطراف على أن الاتفاقية ناقشت جذور الأزمة
السودانية، وأخضعتها لنقاش مستفيض تمخض عنه الاتفاق على حلول تبدو مرضية للجميع.
وينفي حملة
السلاح في الماضي أن تكون هناك أي محاصصة، أو محاولة لاقتسام السلطة، بقدر ما كان
هناك حرص على إيجاد حلول للمشكلات، وهذا كان سبب إطالة أمد المفاوضات.
ونحن بدورنا نحسن الظن، ونرى أن المحك الرئيس في
الالتزام بالتطبيق من أطراف الاتفاقية، وعدم بروز أي نوع من الخلاف غير الحميد عند
اقتسام السلطة، وإشراك ممثلي الحركات في مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، والولايات،
والمجلس التشريعي.
إذا حدث توافق في هذا الجانب، وأحسنوا اختيار ممثليهم،
وتحولت الحركات إلى تنظيمات سياسية تعد نفسها لخوض الانتخابات، وإذا جرت الترتيبات
الأمنية بسلاسة، فإننا موعودون بسودان جديد ظللنا نحلم به.
إن اندماج الحركات في الحياة السياسية يعني أداءً أفضل
للحاضنة السياسية، وتغييراً للموجهات الحاكمة لها، لما أثبتته الجبهة الثورية من
تناغم الأداء، واستيعاب التنوع، وحسن إدارته، على ما يبدو من خلافات أحياناً، هي
من صميم الطبيعة البشرية.
وهذا الزخم الذي يمكن أن يمنحه محاربو الأمس للحياة
السياسية يعني أننا أمام تشكّل جديد لأحزابنا ومنظماتنا، مع بروز قوى ستغير الواقع
السياسي الذي ألفناه منذ الاستقلال.
وإذا كانت الاتفاقية تكتسب صفة الشمول من موضوعاتها
التي خضعت للنقاش، فإننا ننتظر أن تكتسب هذه الصفة بانخراط كل الممانعين في
مفاوضات تؤكد ما جرى الاتفاق عليه، وتمثل إثراءً لاجتماع أهل السودان على كلمة
سواء.
نبارك لشعبنا الصابر، ونشكر لشركائنا من الدول العربية
والصديقة، ومنظمات المجتمع الدولي التي أسهمت في تحقيق هذا الإنجاز.