• قولاً واحداً..ونحنُ أهلُ الثورة، وأهلُ الحرية والتغيير، نقول إنَّ الحُرية والتغيير يمسكُ بخناقها وتلابيبِها الآن يساريون تقليديون (محنَّطون)، وكما وصفهم دكتور النور حمد بالضبط !! ولن تستطيع الحريةُ والتغيير أن تُخرج هذه البلاد من كبوتها، ولن تستطيع مجرد أن تُطعمها طالما استفرد بالأمر فيها تنظيريو اليسار الأنانيون، وأحتكروا قرار البلد بلا منازع!!
• هؤلاء (التنظيريون) لهم ميزةٌ واحدة؛ أنهم يتفوَّقون على بقية مكونات الحرية والتغيير بأن لهم حلاقيماً كبيرة تُصدر أصواتاً ضخمة، وضجيجاً عالياً، يؤذي الأسماع، ويسبب الصداع، ولا شئ غير ذلك !!
هل سمعتم بطائر إسمه ‹ود مَكْمَك›؟! هذا الطائر إسمه الآخر هو الوقواق..
تضع أنثى الوقواق، وبإنتهازية شديدة، بيضةً واحدة في عِش طيرة أخرى (طيرة بمعنى الكلمة وساذجة) ‹كأبو الرهيو› مثلاً، ثم تطير بعيداً لتضع بيضةً أخرى في عِش آخر، وهكذا توزع بيوضها على الأعشاش الأخرى دون أن يكون لها عشها الخاص!! إذا كانت هناك أمرأة في القرية تحمل هذه الصفة الإنتهازية في تربية أولادِها النساء يسمِّينها ‹هَيُوفة بت قدَّال›.. المهم تحتضن هذه الطيرة-الطيرة الساذجة بيضة الوقواق مع بيضها ولا تفرِّق بين البيوض أبداً، وتمنحها كل الدف والحنان والرعاية..
يفقس فرخ الوقواق قبل الأفراخ جميعاً ويكون أكبرها حجماً، ثم يفرُك عينيه ومنقاره، ويترعرع قليلاً جداً مع بقية أفراخ (الطيرة-الطيرة) حتى يقوى عوده، ثم فوراً يبدأ ‹يتفجفج› في العِش شيئاً فشيئاً، ثم يبدأ بالفرفرة الشديدة، ثم يبدأ يدفع بالبيوض والأفراخ الأخرى (أسياد العِش الأصليين) بجناحيه ورجليه القويتين، ويسقطها جميعاً خارج العِش واحداً بعد الآخر حتى لا يبقى في النهاية إلا هو وحده، ومع هذا تستمر الطيرة-الطيرة وزوجُها في رعايته بكل همة ونشاط كما كانا يفعلان منذ البداية، ظناً منهما أنه ‹جنا حشاهما›..وعندما يقوى آخيراً على الطيران والتحليق يطير بعيداً عن العِش مستمتعاً بالقوة التي وفرتها له الطيرة-الطيرة حتى نما وحده، وحلَّق في عنان السماء، ليبدأ هو نفسه ممارسة إنتهازية أمِّه القديمة، بتوزيع بيوضه في أعشاش الطيور الأخرى، وهكذا دواليك !!
هذا بالضبط ما فعله، ويفعله اليسار (المحنَّط) بالحرية والتغيير، وبثورة ديسمبر المجيدة، إذ سيطر أولاً وباكراً، وفي غفلةٍ من الجميع، على كلِّ مفاصل الحكومة الوليدة، ومجالسها، وإداراتها ووكالاتها، ثم بدأ يزحزح كل القوى الأخرى ويناكفها، ويستعديها، والتي إما غاضبت، أو وَجمت، أو رضِيت بالقليل والفُتات، أو خافت، أو ‹أتغبَّنت› وجمَّدت كما فعل حزب الأمة القومي، أقوى المكونات السياسية على الإطلاق..ثم، وفي داخل مجلس الوزراء نفسه مارس اليسار التنظيري نفس سياسة (ود مكمك) بدفع كل أحدٍ لا يتوافق، ولا يتفق معهم ليرمي به بعيداً خارج العِش!!
لم يتبق الآن من قوى سياسية يخشاها اليسار التنظيري إلا (الأكثرية الصامتة) في الشارع، التي ظلت واقفةً تتفرج وتندهش، ولا تدري ماذا تفعل..ولكن هل تركهم اليسار ؟!
طبعاً لا، فهؤلاء لهم علاج كذلك يُسكتهم به إلى الأبد:
هل شاهدتم كيف تحوَّل (المؤتمر الإنكسادي) الآخير إلى هتافات وهزليات وشعارات لا تليق بمؤتمر يُفترض أن يكون رصيناً ووقوراً وهادئاً وعلمياً ؟!
هذه الهتافات والحناجر التي ظلت تجلجل في قاعة المؤتمر كانت من هتِّيفة اليسار، وكان القصد منها تخويف الناس، وزجر الأكثرية الصامتة المتفرجة هذه حتى لا تنطِق بعد الآن بأية عبارات معارضة لهم كما يقول صديقنا د. أمجد عبد العزيز !!..
• ذكر الدكتور عبد الله حمدوك، في إحدى مداخلاته في المؤتمر إياه، موجِّهاً كلامه لهؤلاء العواجيز، وقال إنه قابل في الفترة الماضية رئيس بعثة صندوق النقد الإقليمي الذي كان قبلاً رئيساً لبعثة الصندوق إلى ڤيتنام ‹اليسارية›، فحكى له عن نجاحات عظيمة حققتها ڤيتنام معهم، ‹فرجاه› حمدوك أن يأتي إلى الخرطوم، ويحاضر (له) اللجنة الإقتصادية للحرية والتغيير ‹المحنطة› عساها تتفهم ما يجري حولها..ثم قال حمدوك للمؤتمرين: نحن لابد أن نخرج من عالم (التنظيريات) والأيديولوجيات (والشعارات) ونتبنى ما ينفع إقتصادنا وبلدنا !!
طبعاً لن يسمع هؤلاء لدكتور حمدوك ولو جاء لهم بمدير صندوق النقد نفسه طالما ظل هو يسمع لهم ويأتمِر بأمرِهم !!
الخوف الآن، وليس هناك أي ضمان، ألا يتحول المؤتمر الدستوري المزمع إلى ‹سوق أم دفسو› آخرى، وعرضاً لقوة حلاقيم اليسار، وتبنياً لنظرية (ود مكمك) كما حدث في المؤتمر ‹الإقتصادي› !!
كما لا توجد أية ضمانات ألا يصبح المجلس التشريعي المُرتجى تشكيله، في حال تم، سوقَ ‹أم دفسو تنظيرية› كذلك تسيطر عليها الحلاقيم الضخمة، ذات الضجيج العالي، دون أيِّ فائدة تُرى، أو تُسمع !!
هذا اليسار الآن، وبعدما أمسك بتلابيب الحكومة التائهة المغلوبة، يعتقد أنه لم يتبقى له إلا أن يسيطر على بقية الشارع الصامت بالإرهاب والتخويف الهتافي كالذي أبتدروه في المؤتمر الآخير !!
ما نندهش له فعلاً أن رجلاً بدوياً حصيفاً كالفريق حميدتي إنتبه لهذا الإختطاف الإنتهازي للثورة وأهدافها من قِبل اليسار الجرئ، ودعا الناس إلى تصحيح هذا الوضع، ولكن كثيرين آخرين متفرجين ما يزالون يمارسون صمت القادرين على التمام خوفاً من الضجيج، والحلاقيم المتشنجة !!!