قبل يومين ضجت وسائل التواصل الإجتماعي إستنكاراً لخبر مفادهُ صفع أحد جنود الدعم السريع التابع لحرس التلفزيون القومي إحدى المُذيعات المتعاونات لأسباب ما زالت حتى الآن مجهولة ، مبدئياً كامل التضامن مع المذيعة المذكورة ، وكذلك كامل المُساندة لكل الدعوات والجهود التي تنبذ العُنف ضد المرأة في كل مكان وزمان ومهما كانت الأسباب والمُبرِّرات ، بعضهم يشير خارج إطار المنطق إلى أن سلوكيات العُنف ضد المواطنين محصورة فقط عند أفراد الدعم السريع ، والحقيقية إن إقمْنا العدل فإن كل المنظومة الأمنية والعسكرية تحتاج وبصورة عاجلة إلى (تعديل) ثقافتها (الإنسانية) و(تنمية) معارفها الدستورية والقانونية في موضوع إحتكاكاتها اليومية مع المواطنين ، فالمسار الديموقراطي الذي من المُفترض أن يسود الآن ،
وفي نطاق إهتمامهِ بالحُريات العامة وحقوق الإنسان ، ليست لهُ قيمه إن لم يخرُج من أضابير الوثائق القانونية والخُطب الحماسية إلى أرض الواقع ، والحقيقة الثانية أن قوات الدعم السريع ومعها أفراد القوات المُسلَّحة هي مؤسسات ذات طابع (حربي) وطبيعة مهامها غالباً ما تكون خارج المُدن والأماكن المُغلقة ، ولا يملك أفرادها المُعينات المعرفية والمهنية لتطبيق وممارسة الإشتراطات القانونية التي يجب أن تتَّسِم بها مهارات تحقيق (أمن المُدن) والتعامُل مع المدنيين ، من غير الطبيعي أن تقف على حراسة التلفزيون وغيرهُ من المؤسسات المدنية قوات عسكرية محاربة مثل الدعم السريع والجيش ، هذا العمل من صميم تخصُّصات الشرطة والجهات الأمنية المُدَّربة على التعامل المباشر مع المواطنين ، بل ومن وجهة نظر شخصية فإن حراسة التلفزيون لا تحتاج إلى أكثر من التعاقُد مع شركة أمنية خاصة ،
مثل ما هو جاري به العمل في معظم بلاد الله الواسعة ، أما إذا كان الأمر مُتعلَّق بأمور أمنية إستراتيجية يُقصد منها حماية الإذاعة والتلفزيون من الإحتلالات الإنقلابية فالأوْلى أن تكون إرتكازات الدعم السريع والجيش في المداخل الرئيسة للشوارع المؤدية لهذه المؤسسات وليس أمام بوَّاباتها وداخل مكاتب إستقبالها.
الدعم السريع أصبح واقعاً إرتضيناهُ على المستوى الرسمي والشعبي لأسباب عديدة بعضها يشترك في إقرارهُ الجميع والآخر فيه إختلاف ، لكن ما لا يقبل الجدل أنهُ أصبح واقعاُ ماثِلاً في منظومة الدولة والمجتمع ويحاوِّل منسوبيه بذل طاقاتهم (المدنية) المحدودة في سبيل دعم ما يعتقدون أنه الصواب ، ومن جهةٍ أخرى علينا كمجتمع أن (نتقبَّل) وجودهم في كافة مناحي حياتنا اليومية بالقدر الذي لا يُهدرُ كرامةً ولا يسلبُ حقاً ولا يتجاوز قانوناً ، وذلك ببساطة لأن هذا الشعب أيَّد وبارك يوماً ما تولي الحكومة الإنتقالية الحالية لأمر البلاد عبر شراكتها مع الجيش والدعم السريع ، لذا وجب عليه الصبر والإحتمال حتى (يتشبَّع) أفراد الدعم السريع بروح المدنية و(يقتنعوا) بنِديتهم وتطابُق مكانتهم في الشارع مع المواطن المدني ، ونفس ما سبق ينطبق على أفراد الجيش الموجودين للخدمة في قطاعات تابعة لأمن المُدن والذي نُكرِّر أنهُ الاختصاص الأساسي الذي أُنشأت من أجلهِ الشرطة ، لا تلوموا من (أجبرتموهم) على أداء عملٍ لا يتقنونهُ ولا هو من صميم إختصاصهُم ولم يتدَّربوا عليه ، ولكن لوموا سوء الإدارة والتخطيط ، ولا تُعاتبوا (الفوضى) ولكن عاتبوا من يضع الأشياء في غير مكانها الصحيح.