في مُداخلة مع قناة الجزيرة القطرية حول إحتفالات سلام جوبا الأخير ، وللمرة التي لا أظنها ستكونُ الأخيرة لا يستطيع ضياء الدين بلال أن يخلع ثوب (الناقمين) على الحكومة الإنتقالية وأُمنيات الأغلبية الداعمة لبرنامجها المُستمد من شعارات الثورة ، ولا حتى من باب حيادية الإحتراف الصحفي أو حتى عبر باب التصالُح مع ما فيه (شُبهة) مصلحة أو(بارقة) أمل طالما إنتظرها هذا الوطن الجريح وشعبهُ الصابر ، وكأن المرارات المُعبِّرة عن (أوجاع شخصية) قوامها تلاشي المنافع والحظوات وأدوات التسلُّق بلا مؤهلات ولا قُدُّرات ولا مباديء ، ستظل على الدوام حاجزاً يشِّوِش على ضياء الدين وأمثالهُ من الجالسين على (عتبة) باب الصحافة التي ولجوها في غفلةٍ من الزمان وفوضى في المكان ، يجتهدون فقط (ليُبْخِسوا) الناس أشياءهم ، لا لشيء سوى أنهم تيقَّنوا من أن زمان الحصول على الحظوات والإمتيازات عبر الولاء والإنتماء والتطبيل والتغاضي عن تجاوزات وفضائح الحُكام قد ولَّى ، أزعجني جداً وأزعج المزيعة وربما معظم المشاهدين إصرار المذكور وتكالبهُ المسعور على وصف سلام جوبا الذي تم توقيعهُ أول أمس السبت 3 أكتوبر 2020 ، بأنهُ منقوص طالما لم يشمل عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور ، مع إسهابٍ (مُريب) و(مكشوف النوايا) لأبسط البسطاء ،
إستهدف التقليل من شأن الإتفاقية ووصفها بأنها مُجرَّد مسوَّدة مُحاصصات وتقاسُم للمناصب والسُلطة ، وأقول أن النظر إلى الجانب الفارغ من الكوب هو إما إفراطٌ مُتطرِّف في التشاؤم المُقعِد للآمال ، وإما محاولة بائسة للإصطياد في الماء العكِر ، وقد ظلت قيادات الحكومة الإنتقالية مُمثَّلة في رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء وغيرهم من النافذين ، وعبر تصريحاتٍ كثيرة كان آخرها الخطابات التي تم إلقائها في الإحتفال نفسه مفادها (إن هذا السلام يظل منقوصاً طالما لم يلتحق به الحِلو ومحمد نور) ، إذن لا أحد يُزايَّد على سلامٍ شامل وأوسع قادمٌ في الأُفق ، ليبقى حق المواطن على الصحافة ومن باب (الأمانة) أن تُريه وتُلفِت نظرهُ إلى الجانب المملوء من الكوب ، كيف لا ؟ ، وقد تجاوزنا بهذه الإتفاقية جزءاً غير يسير من ألغام الخلاف الوطني.
ومن غرائب الأشياء وفي ذات الوقت الذي يستنكر فيه ضياء الدين التعبير عن الخلاف السياسي بحمل السلاح ومُحاربة الدولة ، يُشير في يوم إحتفال جوبا (المنقوص) والمُفتخر به عند الوطنيين الخالية دواخلهم من الضغائن ، إلى أن مَنْ تم التوقيع معهم ليس لهُم تأثير عسكري واضح على أرض الواقع وأن المساحات الجغرافية التي يُسيطرون عليها ضئيلة ولا تُذكر ، وكأنه يقول أن مُتضرَّري الحرب في تلك المناطق لا يستحقون (تضحية) الحكومة بإنجاز سلامٍ مع قادتهم ، يفوتُ على ضياء الدين والكثيرون من حاملي راية مُحاربة إنجازات الحكومة الإنتقالية ، أن ضروب السلام كثيرة ومُتعدِّدة الأشكال والمضامين ، وهي ليست محصورة فقط في مَنْ يحملون السلاح ، فالكثير من مناطق (الغبن) والإحساس بالتهميش في بقاعٍ كثيرةٍ من بلادنا ماثِلة ، ولأن بنيها لم يحملوا السلاح ، ولم يتوسَّعوا في مساحات (الإحتراب) بعد ، لن ينالوا (إهتماماً ولا إحتراماً أو إلتفاتاً) من أمثال ضياء الدين ، لكنهم بالنسبة لرؤيتنا حول السودان الجديد ، يحتاجون بشدة إلى السلام (وإن لم يلِجوا حرباً) ويستحقون أن تمُدَ لهم الحكومة يد المؤازرة والتعهُّد الموثوق على إزالة المظالم وفتح أبواب التنمية المُستدامة ، لا نستهجن على المعارضين أن يُعارضوا وينبروا لبيان إخفاقات الحكومة الإنتقالية ، لكن في سبيل تحقيقهم هذه الغاية عليهم أن لا (يدهسوا) في غمرة الحماس وإشتعال المرارات آمال الشعب السوداني وتطلُّعاتهُ لمستقبلِ زاهرٍ ومُشرق لن يستقيم أمرهُ إلا بالسلام ولو عُقدت أواصرهُ مع أهل قريةٍ لا يتجاوز عددهم العشرات ، فربما تحقَّقت بسواعدهم المعجزات.