أرى أن أهم ما يجب العمل عليه في ظل التحول الديمقراطي الذي نعيشه هو تغيير فكر كثير من المنتمين إلى الأجهزة الأمنية، وبينهم قيادات عليا، إذ يظن هؤلاء أنهم فوق البشر، وقد خلقوا ليأمروا، ويسودوا غيرهم من أبناء المجتمع، الذين عليهم السمع والطاعة.
سعد كثيرون بتحرك قوات
الشرطة في إطار “حملات البرق الخاطف” من أجل “دكّ معاقل المجرمين،
وبسط هيبة الدولة، وإنفاذ القانون”، كما صرح مدير شرطة ولاية الخرطوم.
وهذه السعادة منبعها
أن المواطنين عانوا كثيراً من غياب الأمن في مناطق عدة، بعد أن انتشرت فرق
إجراميّة تهددهم في وضح النهار، وتنال منهم، وتأخذ ما معهم مما خف وزنه وغلا ثمنه،
وفي أحيان أخرى يتجرؤون بأخذ ما ثقل وزنه في أمان شديد.
وشكرت الشرطة
المواطنين على تفاعلهم مع الحملات، وتعاونهم معها، وهذا شيء طبيعي، لأن وحدة الهدف
تتطلب هذا التفاعل والتعاون.
ولكن في سوداننا
“الحلو لا يكمل”، إذ حملت وسائل الإعلام أنباء عن قيام الشرطة بتنفيذ “حملات
حلاقة للشباب أصحاب الشعر الكثيف، وذلك بالحاج يوسف المايقوما. وصاحبت الحملة أحداث
عنف واشتباكات بين عدد من أفراد الشرطة والشباب بعد شروع الشرطة في تنفيذ المهمة”.
تخيل طفلاً يخطو إلى
مرحلة الشباب تدهمه الشرطة، وتحلق شعره في وسط الشارع، ويمارس عليه أفرادها
التنمر، والإساءات اللفظية والجسدية، والناس يتفرجون.
هذا يعيدنا إلى عهد
النظام البائد الذي كان ينفذ حملات كهذه، إلى جانب “كشات” ستات الشاي،
والبسطاء من الناس الذين في حالهم، بينما كان أصحاب السلطة يمارسون الموبقات ما
ظهر منها وما بطن، دون أن تجروء الشرطة من الاقتراب منهم.
إن الحريّات الشخصيّة
لا تحتاج إلى “درس عصر” حتى تُشرح للشرطة، لتعرف مهامها الرئيسة في
ملاحقة المجرمين الذين يفسدون في الأرض، بدلاً من أخذ الناس بجريرة “طول
الشعر”.
لقد مرّت علينا –على سبيل
المثال- خلال أيام قليلة نماذج من تنمر من يناط بمسؤولية الأمن، ومنها اعتداءات
الدعم السريع على طالب، وسائق، ومذيعة، وحاول قادته تدارك الأمر بالاعتذار، الذي
نراه سلوكاً حضاريّاً، ولكنه لا يبدو مفيداً هنا، والدليل تكرار الحوادث وتلاحقها.
إن المفيد هو حسن اختيار
من ينضم إلى أي قوة من قوات الأمن، ثم تأهيله وتدريبه على أنه خادم لمجتمعه في
مجال تخصصه، كما يخدمه الآخرون في المجالات الأخرى، لتتكامل الأدوار، من أجل تشكيل
مجتمع معافى لا يشعر فيه أحد بالتميّز، وامتلاك حق إذلال الآخرين، وممارسة التنمر
عليهم.
يجب على الشرطة وقوات
الأمن الأخرى أن تكون عوناً في إنجاح الفترة الانتقاليّة، وتحقيق التحوّل
الديمقراطي بدلاً من الممارسات التي تنال من مكانتها، وتهزّ ثقة المجتمع فيها؛
وعلى أفرادها أن يدركوا حجم ما حدث من تغيير في المفاهيم، ليتفرغوا لمهامهم
الرئيسة، وهي كثيرة وحساسة، بدلاً من الانشغال بـ”الفارغة”، وإفزاع
الآمنين.