تضِجُ وسائل التواصل الإجتماعي هذه الأيام بخبر مفادهُ أن دوريات شُرطية في مناطق مُتفرِّقة بالخرطوم بحري ، قامت بتوقيف أعداد من الشباب ثم أقدمت على حلاقة شعر رأسهم قسراً وإجباراً ، ويضيف الخبر أن شهود عيان أفادوا بأن المُمتنعين قد تم توقيفهم وإعتقالهم ، وبالرغم من أن هذه المنشورات التي أوردت الخبر غير مدعومة بصور فتوغرافية أو فيديوهات ، بالإضافة إلى خُلو المواقع الرسمية والمصادر الصحفية الموثوقة من الخبر ، مما يُشير إلى أنهُ قد يكون مُجرَّد شائعة تم الترويج لها عن قصدٍ وتدبيرٍ وترَّصُد ، أو رُبما كان سبب الإنتشار والروَّاج مُجرَّد الصُدفة خصوصاً وإن الخبر فيه قدرٌ كبير من (الغرابة) والكثير مما يثير الإندهاش ، مما أدى إلى تدافُع ( تحفُّظات) المُنتمين إلى فقه المنطق والقانون والحُريات ، وكذلك (التأييد والمُباركة) من المُنتمين إلى فقه الإكراه على الإعتداد بالعُرف الإجتماعي والموروث الثقافي.
المنظور الأول يتعلَّق بإفتراض أن ما حدث كان صحيحاً ، وأقرَّت الشُرطة بقيام بعض أفرادها بذلك الفعل الخطير والقبيح في ذات الوقت (مع الإشارة إلى أن إعلام الشرطة مُطالب بالنظر إلى الإتساع غير المسبوق لإنتشار الخبر أن يُدلي ببيان حول الموضوع) ، فإن ذلك يُعتبر إنتهاكاً بيِّناً للمباديء التي كانت مصدراً لبنود الوثيقة الدستورية والتي أولت الحُريات الشخصية والجماعية في التعبير عن الذات وعن المواقف قدراً عالياً من الإهتمام والقداسة ، هذا فضلاً عن أن مبدأ (حقوق) الحُرية الشخصية هو المصدر الأساسي لمُجمل مضامين الفلسفة الديموقراطية ، التي إندلعت من أجل مُكتسباتها جميع الثورات الشعبية بدايةً من أكتوبر ونهايةً بديسمبر المجيدة ، فإن كانت الشرطة ولحيازتها السُلطة والسلاح والقوة ما زالت تحاول أن (تفقأ) عين الديموقراطية وتطعن في (شرف وكرامة ) الحُريات الشخصية ، في نفوس وعقول شبابنا الذين مهروا ثورتهم ضد الطُغيان بالدماء والجراح والتضحيات الجسيمة ، فذاك لعمري أمرٌ يستحق التوقف عندهُ بجديةٍ وحزمٍ وصلابة لا تقِلُ عن ما تم بذلهُ من (مقاومة) أيام الثورة على نظام الإنقاذ البائد.
أما المنظور الثاني فيتعلَّق بإفتراض أن الأمر مُجرَّد شائعة ، وتلك أيضاً مُصيبةٌ كُبرى وللأسف على الشرطة أيضاً أن تتحمَّل أعباء القضاء عليها ومطاردة مُرتكبيها ، لأن مضمون الشائعة وحجم إنتشارها فيهِ إشارات لا تقبل الشك أن القائمين عليها (عصابة) سياسية تعمل بتخطيطٍ مُتقن على زرع الفتنة والشِقاق بين المواطن والشُرطة ، خصوصاً بعد أن شهدت تلك العلاقة المتوتِّرة في أزمانٍ سابقة الكثير من التحسُّن بعد تولي مدير الشرطة الأخير وتبَّنيه لمجموعة من السياسات و(السلوكيات) التي أشارت إلى عودة إعتداد الشرطة بفضيلة إحترام المواطن وصون كرامتهِ طالما كان خارج دائرة الإتهام بجريمةٍ مُثبتة ومُكتملة الأركان ، وقد نوَّه الكثير من الناشطين عبر وسائط النشر الإلكتروني في الأسابيع الماضية إلى (توثيقهم) عبر الكثير من المواقف والوقائع لـ (عودة) شعار الشُرطة في خدمة الشعب في الواقع اليومي للشارع السوداني ، وما قامت به الشرطة من (سلوكيات) إنسانية إبان إمتحاني شهادة الأساس والشهادة السودانية وجائحة كورونا وكوارث السيول والفيضانات فيه ما يكفي لإثبات حدوث ذلك التغيير ، هناك مجموعات (مُتضرِّرة) من ما يحدث من (نماء) ديموقراطي وبناء لدولة المؤسسات والقانون ، وتعظيم لفضيلة إستعادة الثقة بين مكوِّنات المجتمع ومنظومات الدولة في كافة قطاعاتها ، وقد إستهدفوا من قبل معظم وزراء ونافذي الحُكم الإنتقالي ونجحوا في إقصاء بعضهم عن طريق نشر الشائعات وإستقطاب (كراهية وإمتعاض) الرأي العام ضدهم ، على مدير الشرطة أن يكون يقِظاً فربما قد جاء دورهُ في قائمة المُحاربين ، مع الإشارة إلى أنهُ ليس (مكتوف الأيدي) كغيرهِ من الوزراء والنافذين ، فبين يديه إمكانيات مكافحة الجريمة بكافة أشكالها ومضامينها وليضرب بيدٍ من حديد.