وصول أسعار السلع في ظل حكومة الثورة أرقاما فلكية بهذا الشكل هو وضع مخجل ومؤسف ويجب أن ينتهي، هذه الاسعار تفوق ما كانت عليه في أيام المخلوع بعشرات المرات، استمرار هذا الواقع اقتصادي المزري سيحفز الجماهير على الخروج ضد الحكومة الانتقالية، فطلاب عطبرة الذين أشعلوا شرارة ثورة ديسمبر اشعلوها ضد غلاء سعر الخبز، والأزمة اليوم لا تقف عند حد ارتفاع سعر الخبز فقط، وإنما تصل إلى مرحلة انعدام الخبز نفسه غاليا كان ام رخيصا.
طلاب عطبرة وجماهير الشعب السوداني حين اطاحوا بالبشير كانت من ضمن احلامهم بعد انتصار الثورة ان يتراجع سعر الخبز ويصبح في متناول الفقراء والاغنياء، ولكن ما حدث هو العكس تماما، اذ تضاعف سعر الخبز وأصبح من العسير جدا الحصول عليه لمن يملك مالا ومن لا يملكه، الغلاء والندرة فضيحة مكتملة الأركان لوزير التجارة ووزيرة المالية ورئيس مجلس الوزراء ومجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير بكاملها، ويثبت ان الحكومة الانتقالية كسيحة وعاجزة ومفتقدة للابداع والابتكار في علاج المشاكل. لا يجب ان نستمر في تصديق شماعة الدولة العميقة كسبب أساسي للازمة الاقتصادية، كما لا يجب ان نحمل العسكر فقط مسؤلية انهيار الاقتصاد، كل الحكومة الانتقالية بلا استثناء مسؤلة عن ما يجري في الشارع من غلاء طاحن، كل من شارك في هذه الحكومة سواء كان عسكريا او حزبا سياسيا او تيارا مدنيا او مستقلين، هو مسؤل مسؤلية مباشرة امام الناس والتاريخ والله عن ما يجري.
لا يجب ان ننسى ان الضائقة الاقتصادية كانت هي السبب المباشر الذي حفز المواطنين العاديين للاشتراك في ثورة ديسمبر وليس شعارات الحرية والليبرالية، المواطن البسيط لا يفهم في مباديء الحرية ولا في الديمقراطية ولا الليبرالية، ولكنه يفهم جيدا معنى انهيار الوضع الاقتصادي، يفهم انه مدخل للجوع والبطالة والغلاء وانعدام الأدوية واختفاء السلع الضرورية، لذلك هذا المواطن سيمثل قوة ثورية جاهزة في أي لحظة يحدث فيها انهيار في الحالة المعيشية وضيق وشدة فيها. لذلك على الحكومة الانتقالية بمكوناتها الثلاثة ( سيادة، وزراء ، قحت ) ان تعي هذه الحقيقة، عليهم أن يفهموا ان المناصب ليست شيكا على بياض ليفعلوا بها ما يشاءون، بل هي مسؤلية جسيمة ستحاسبهم عليها الجماهير حسابا عسيرا، إن نجحوا فيها أجزلت لهم الشكر والثناء، وان فشلوا فلن يجدوا منها غير ( البل ).
الفقر في بلادنا يتخطى حاجز ال ٨٠% من السكان، أغلبية الشعب لا يتحمل ارتفاع اسعار السلع الذي يتصاعد بوتيرة يومية، زيادة بجنيه واحدة في سعر ضروريات الحياة مثل الخبز والبصل والزيت والسكر وغيرها لا يستطيع تحملها أغلبية السكان، فما بالك بالزيادات التي تبلغ آلاف الجنيهات ! هذا فشل كارثي، لن يصبر عليه الشعب إلى ما لا نهاية. لذلك على الحكومة الانتقالية أن تتحلي بالشجاعة قبل فوات الأوان وتواجه الفشل بقرارات ووسائل سريعة تعالج هذه الازمة المتفاقمة يوما بعد يوم، وإلا فليتقدموا باستقالاتهم احتراما للثوار ولدماء الشهداء، وليفسحوا المجال لحكومة جديدة تخرج البلاد من هذا الانهيار. وهنا لابد ان يفرق الكثير من الناس بين حكومة حمدوك والثورة، فالبعض يستميت في الدفاع عن الحكومة رابطا ربطا عضويا بين الحكومة والثورة، بينما هما في الحقيقة شيئان منفصلان تماما، استقالة الحكومة الانتقالية لا تعنى انتهاء الثورة، ولكن السكوت على حكومة فاشلة سيعني لا محالة فشل الثورة، لذلك فلتذهب الحكومة الفاشلة ولتبقى الثورة.
sondy25@gmail.com