أنا حزين على الحزب الشيوعي السوداني صاحب التاريخ التليد المشهود والعطاء المَنْضود منذ تأسيسه في عام 1946، تحت اسم “الحركة السودانية للتحرر الوطني”.
ومباعث الحزن عديدة والشواهد عليها لا تحصى، ومن أراد أن يدرك ما وصل له الحزب من ضعف وسوء حال، فليتوقف فقط عند لغة ومحتوى خطاب السيد كمال كرار، عضو اللجنة المركزية للحزب وكبير اقتصادييه. منتهى الفقر الفكري واللغوي والمنطقي مقرون بقدر كبير من الديماغوغية والهتافية والتهربجية والعدائية. وما هكذا كان الحزب الشيوعي يُورِدُ إِبِلَه، ويؤسس خطابه.
اشك في أن تكون لكمال كرار، الذي ما عرفناه غير كاتب صحفي في الميدان، علاقة اكاديمية او غير اكاديمية بعلم الاقتصاد، في جميع طبقاته القياسية والكلية والجزئية. فما يطلقه من آراء ويعلنه من مواقف لا علاقة لها البتة بالاقتصاد، لا في نظرياته ولا في ممارساته التطبيقية.
لم يتبق لنا غير الترحم على مؤسسي الحزب ومفكريه وسياسييه الكبار (والرحمة لغةً وفقهًا تشمل الاحياء والاموات)؛ عوض عبد الرازق، وعبد الخالق محجوب، ومحمد ابراهيم نقد، وعز الدين علي عامر، والتجاني الطيب، والخاتم عدلان، والشفيع خضر، وقاسم أمين، والشفيع أحمد الشيخ، وفاطمة أحمد إبراهيم، وحاجة كاشف، ومحاسن عبد العال، وابراهيم زكريا، وحسن أبو جبل، وميرغني علي مصطفي، وعباس علي، وخالدة زاهر، ويوسف حسين، وعبد الله علي ابراهيم وغيرهم كثيرون، من الذين اسهموا بقوةٍ في بناء الحركة النقابية العمالية، واتحادات المرأة والطلاب والمعلمين، والمزارعين والكتاب، والتنظيمات الديمقراطية، ومنظمات السلام والتضامن، كما ساهموا في بناء الحركة التعاونية والصحافة الوطنية، واسهموا بقوة في تشيل حركة المسرح والغناء والتشكيل والترجمة والمدارس الادبية والشعرية. وخاض الحزب صراعات فكرية داخلية من أجل تأكيد استقلاله السياسي والتنظيمي والفكري في الأعوام 1947 – 1952 – 1964 – 1970 – 1994، ورفض وهزم اطروحات التيارات اليمينية التصفوية، واليسارية المتطرفة.
المؤكد أن الحزب الشيوعي، مثل غيره من الاحزاب السودانية، يعاني أزمة بنيوية عميقة، وغيابًا للرؤية والرسالة والاهداف، تجسدت بقوة في رفض دعوات الاصلاح وتخوين دعاتها.
لا مخرج للحزب الشيوعي من أزمته الراهنة إلا بتبني تحولات جزريه تجعل من أفكاره ومفاهيمه وافعاله أكثر وضوحاً وأكثر ارتباطاً بالواقع السوداني الراهن في ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسي. فالأفكار والمفاهيم، حتمًا، هي بنت سياقها التاريخي والاجتماعي، وتقديم الكوادر الشابة الاكبر معرفة ووعيا وانفتاحًا، كما أنه في حاجة لاكتساب قوى اجتماعية جديدة، وخلق علاقات جديدة وواضحة المعالم بينه والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وقبل كل هذا تقديم خطاب نقدي واقعي لقضايا العصر وخصائصه وتياراته ومعارفه بما يمكنه من تفسير واقعه بطريقة أكثر تركيباً تناسب واقعه السوداني.
بمثلما كان الحزب الشيوعي عاملًا أساس في صناعة الثورة وانجاحها، ومكون أصيل من مكوناتها، نتمنى أن يسهم بقوة في انجاح الفترة الانتقالية والعبور بها إلى بر الامان، تأسيسًا للدولة المدنية الديمقراطية.