الشعبُ ليس مسئولاً ولا معنياً (بتفهُّم) ما يرمي إليه كبار الإقتصاديين والسياسيين من الفلسفات الأكاديمية المُتناوشة بين المنهجين الإشتراكي والرأسمالي ، وليس من واجباتهِ أبدأً دعم وتأييد (الإيجابيات) التي يمكن أن تجنيها الحكومة الإنتقالية جراء رفع الدعم الكُلي عن المحروقات على حساب ضرورياته وحقهِ في الحياةِ الكريمة ، ببساطة لأنهُ مُجرَّد (شعب) ، أُنشأت الحكومات لخدمتهِ و(تفهُّم) إحتياجاته وليس العكس ، ولو كُنا نعلم أن الشعب يُمكن أن (يفهم) أو يجيب على السؤال البيزنطي (كيف يُبنى السودان إقتصادياً ؟) ، لما وسَّعنا دائرة التقصي في الموضوع وإجتهدنا و(ضحَّينا) بأرواح الشُهداء من أجل تعيين (كفاءات) أو بالأحرى (كفوات) كما أسفرت عنهُ الحقيقة المُرة ، لمعالجة المُشكلة الأزلية التي على ما يبدو ستكون آخر مُسمار يُدقُ في نعش الحكومة الإنتقالية وليس الثورة ، لأن الثورة ستظل حيَّة وقائمة طالما كانت أغلبية الكادحين من هذا الشعب على أهبة الإستعداد للدفاع عن حقها في الحياة الكريمة.
إن كان نافذي الحكومة الإنتقالية يعتقدون أنهم جاءوا ليديروا أمر البلاد إدارةً (عادية وهادئة ومُنسابة) تُحيطها الدِعة والتساهيل ، فقد أخطأوا المكان والزمان المُناسبين لولوجهِم هذا التحدي البالغ التعقيد ، ووجب عليهم الترجُّل فوراُ ودون أن يُطالبوا بإعتذارٍ ولا تبرير ، فكُلنا بما فينا الذين ينادون برفع الدعم اليوم لمُجرَّد (تقاصُر) القُدرات عن هول المعضلات التي تُجابه إقتصاد البلاد بعد ثلاثين عاماً من النهب والتدمير ، نؤمِن بإن إدارة هذا الإقتصاد المُشوَّه تحتاجُ وقبل كل شيء إلى كوادر مُتميِّزة في علم (الإبداع) قبل علم الإقتصاد ، ولأنهم إعتقدوا أن إدارة إقتصاد بلادٍ تم إستلابها عقوداً من الزمان مُجرَّد نُزهة ، لم يستطيعوا الإرتقاء إلى مستوى التحديات وقداسة الملحمة ، فمن كان يظُنُ أن إيجاد حلولٍ لما يعانيه الإقتصاد السوداني مُرتبط (بإبادة) الشعب السوداني ، عبر إتكاء الحكومة على أكتاف المواطن المغلوب على أمرهِ بعد أن ناءت بما حملت من الأثقال ، من باب فليفنى من يفنى من أجل أن تحيا البقية ، نقول لهُ هذا نفس ما كان ينوي السفاح البشير فعلهُ عبر إجازتهُ لفتوى عُلماء السُلطان التي كان مفادها قتل الثُلثين ليبقى الثُلث.
على الحكومة الإنتقالية أن تعلم أن رفع الدعم عن المحروقات لن يكلِّفها زوالها من خارطة قيادة البلاد فحسب ، بل سيُكلِّف أيضاً (فُقدان) المسار الديموقراطي الذي بُذلت دونهُ الأرواح والدماء والتضحيات ، وذلك عبر سيناريوهات عديدة ، أبسطها حدوث إنقلاب غاشم ، وأفظعها (صوملة) السودان وسيادة دولة الغاب والفوضى ، من لا يملك القدرات التي تؤهِّلهُ لإبتكار و(إبتداع) موازنة وسطية تُدمِج فكرتي رفع المُعاناة عن كاهل الشعب والحكومة معاً ، ما عليه إلا المُغادرة وإفساح المجال لغيره عسى ولعل أن يقضي الله فينا أمراً كان مفعولاً ، أما أن يعتقد بعضهم أن تحميل هذا الشعب المزيد من الأعباء حتى (ترتاح) الحكومة ويمارس نافذوها مهامهم و(تُرَّهاتهِم) خارج إطار المُعاناة والضغوطات مثلهم مثل نافذي الدول المُحترمة التي لم ترفع الدعم عن مواطنيها إلا بعد أن وصلت مُعدلات التضخم فيها إلى أدنى مناسيبها وأرتفعت مستويات دخول مواطنيها بما يُشير إلى (معقولية) قُدرتها الشرائية وتناسُبها مع المعايير العالمية لمستويات المعيشة في الدول النامية ، نقول لهم لا وألف لا بإسم الشعب الذي سيُعلنها بصوت سلطته العُليا فور صدور قرار في هذا الشأن ، لن نسمح أن تكون الحلول الإقتصادية مرهونةً ببذلِ القرابين البشرية في (محافل) إسترخاء وإستسهال و(قيلولة) نافذي الحُكم الإنتقالي