الواقعية في تناول المواضيع ، والولوج إليها عبر أبواب مُشرعة بالشفافية والوضوح ، تجعلنا نُقرُ أن للسلام الذي تم توقيعهُ مع الحركة الثورية وما سيأتي بعدهُ من إتفاقات مع عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور ، لهُ الكثير من المُستحقات والمنصرفات المالية الباهظة ،
وهي ذات شقين الأول يتعلَّق بإعادة النازحين إلى قُراهم والتعويضات ومشاريع الإعمار والتنمية ، وكل ذلك لزوم تهيئة البيئة (المناسبة والجاذبة) لديمومة السلام وإغلاق الأبواب على كل (إنتكاسات) متوقَّعة يُمكن أن تحدُث لا قدر الله في بدايات عهد السلام (الجديد) الذي بالتأكيد سيواجه الكثير من التحديات ، وسيحتاج إلى المزيد من الرعاية و(التجريب والتدريب) حتى يستقر أمرهُ ويستتِب ، هذا الشِق من المُنصرفات قد لا يُمثِّل عبئاً كبيراً على الحكومة الإنتقالية بالرغم من مساهمتها فيه ، بالنظر إلى ما تم إقرارهُ من (تمويل) إلتزمت به الدول الراعية للإتفاقية ، والتي ستُسمى فيما بعد الدول والمُنَّظمات (المانحة) وهي منظومات مُتعارف عليها دولياً عبر سوابق عالجت تمويل مشاريع السلام على المستوى الإفريقي والعربي والدولي.
أما الشِق الثاني المُتعلِّق بمستحقات أو منصرفات السلام ،
فهو ما يتعلَّق بترتيبات إقتسام السُلطة وولوج الشُركاء الجُدد إلى منصة الحُكم وإتخاذ القرار ، وذلك بالطبع لن يكون إلا عبر (توسعة) هيكل الحُكم السياسي والتنفيذي ، وزيادة عدد الوزارات عبر تجزئة إختصاصاتها ومهامها ، وفي ذلك بالطبع المزيد من الصرف الحكومي أغلبهُ يتعلَّق بمُرتَّبات ومُخصَّصات الدستوريين وأصحاب المناصب الهامة ، كل ذلك في حقيقة الأمر يتعارض مع شعار محاربة التضخُم ومعالجة الإختلال في ميزان الإيرادات و المُنصرفات ، عبر تجاهُل مبدأ (ترشيد) الصرف الحكومي ، والسؤال المطروح :
أين المصلحة الوطنية العامة التي تخُص الشعب السوداني (من فئة النازحين من الحرب والمُستقرين على ويلات الحرب) من هذا الصرف المتوقَّع ؟ ومن سيدفع فاتورة تعطيل عجلة التنمية الإقتصادية والإجتماعية التي من المفترض أن تكون (الهدف) الأساسي من السعي الدؤوب نحو تحقيق السلام ، وفي ذات الوقت هي المهمة الأساسية التي يجب أن يلتزم بتحقيقها السياسيون والنافذون وأصحاب المناصب ومن أجلها يتحصَّلون من جيب الشعب السوداني على أجورهم ومُخصَّصاتهم.
كيف للسودانيين من المُتضررين في مناطق الحرب ومعهم بقية القابضين على جمر تِبعاتها في المناطق الأخرى بما فيها الخرطوم ، الإطمئنان بأن السلام الذي يتم إرساؤه الآن لا يستهدف (مُتعة) القيادات والزعامات والأشخاص دون الجماهير وأصحاب الحق الأصيل في جني ثماره ؟ ، ولماذا لا يجيب قادة حركات الكفاح المُسلح على تلك التساؤلات والإتهامات المبذولة منذ عقود ، بأنهم فقط يسعون من خلال مناورات السلام إلى (ترتيب) مصالحهم ومكاسبهم الشخصية ، خصوصاً وأن الكثير من (العُقلاء) أو (الحالمين) كانوا يعتقدون أن سقوط الإنقاذ وعمر البشير يعني ودون الدخول في التفاصيل العدلية والفنية والمالية لمُكتسبات السلام ،
الجلوس غير المشروط ولا المدعوم بوساطة مع الحكومة الإنتقالية من أجل الوصول لحلول وسلام ينتظرهُ الجميع ، وذلك من باب أن حركات الكفاح المُسلح لم تكُن تحارب السودان كوطن بقدر ما كانت تحارب (نظام) و(حزب) إغتصب الدولة ، (ناضل) غيرهم من المُتضررين منهُ وبأساليب شتى من أجل إسقاطه ، حركات الكفاح المُسلَّح عبر قياداتها ومؤسساتها المدنية لديها الكثير من ما يجب القيام به في مجال تغيير و(تعديل) الصورة الذهنية السلبية الموجودة حالياً في عقول الكثيرين وخصوصاً الشباب.