بعض أصحاب الأغراض الخبيثة من الشامتين على السودان وشعبهِ وأغلبهم من فلول الإنقاذ ومُنتفعيهُم ، يتحدَّثون عن شعار (تصحيح مسار الثورة) وكأنهُ لا يحتمل معنىً آخر غير إسقاط حكومة حمدوك ، بل وإقصائهِ شخصياً من المشهد السياسي الإنتقالي تحت محتوى كلمة فضفاضة لا تُعبِّر عن الصواب المُطلق ولا الخطأ المُطلق ، يختصرونها في مُفردة (فشل) ، يحلمون أن ينقاد الناس طوعاً عبر تكثيف نداءات إتهام الحكم الإنتقالي بالفشل (المُطلق) للكُفر بفكرة الإنعتاق والتطلُّع إلى نظام ديموقراطي حُر يدعم دولة المؤسسات والعدالة والقانون ويُحقق التنمية الإقتصادية المُستدامة التي تضمن عيشاً معقولاً وكريما لأضعف فئات الشعب السوداني دخلاً ، من حقهم أن يفعلوا هذا إن آمنا أنهم (الآن) أعداء الوطن والمواطن ولا ولاء لهم إلا لتطلُّعاتهم السياسية ومصالحهم الشخصية ، لكن هل من (حقنا) أن نعمل على (تقييم) ما غرسناهُ بأيدينا وإختبارهُ ثم الحُكم عليه قبل أن ينضج أو يحين أوان قِطافهِ ، وهل من (حقنا) أن نُحدِّد العقوبة التي سنجلد بها أنفسنا (بسياطنا) تحت طائلة الفشل؟.
تصحيح مسار الثورة لا يعني بالضرورة إسقاط الحكومة الحالية أو ذهاب حمدوك ، لأن الفشل في ملف من ملفات الحُكم الإنتقالي لا ينفي النجاحات والإشراقات الساطعة سطوع الشمس في مجالاتٍ أخرى ، جميعها لم توصف حين صياغتها بأقل من كونها تحديات وملاحم ثورية ووطنية ، كان في مقدمتها الإنفتاح الدولي وإحلال السلام الداخلي ، وتصحيح مسار الثورة من بعض معانيه (إجبار) الحكومة الإنتقالية على إختيار توجُّهات وإستراتيجيات ومُعالجات (لم تكُن لتتبنَّاها) ، إلا عبر شرعية الإرادة الشعبية وضغوطاتها المشروعة ، على سبيل ذلك كلما يدخل في نطاق القرار الإقتصادي الخاص برفع الدعم عن المحروقات ، أو القررات والتوجُّهات المتعَّلقة بالتعليم والصحة والتحالفات الإقليمية والعلاقات الدولية ، هذا ما يمكن أن نسميه تصحيح لمسار الثورة ، أما إعتقاد البعض في مُطالبة رئيس الوزراء بإعفاء وزير أو تعيين آخر هو شكلٌ من أشكال تصحيح المسار ، بلا شك هو خطأٌ فادِح وتعبيرٌ غير دقيق عن ما يمكن أن نسميه (إصلاحاً للمسار) ، إذ كيف نُعلن الوثوق في حمدوك ككفاءة قادرة على تحقيق تطلُّعاتنا الثورية وفي نفس الوقت نُشير إلى عدم قدرته على إختيار الوزراء الأكفاء وتقييم أدائهم وإستنهاض قدراتهم وخبراتهم لتحقيق برنامج الحكم الإنتقالي؟.
على الحادبين على ديمومة المسار الديموقراطي والمؤمنين بأن ثمارهُ إذا ما نضجت وأينعت سيكون طعمها للسودانيين أشهى من ثمارٍ تُنضجها غلواء الشموليات المُستظِلة بسراب التحالفات الإقليمية ، المهزومة أخلاقياً وسياسياً وسط قواعدها الشعبية ، والمُستلبة إرادتها ومواردها بواسطة القوى العالمية ، والتي في ظلها لا مجال أن تُحكم الشعوب الفقيرة إلا بالبطش والتنكيل وإسكات صوت الحق وتغييب الآخر ، أن يستوعبوا البُون الشاسع بين مفهوم تصحيح المسار من أجل حماية الثورة ومسارها الديموقراطي عبر(دعم وتقويم) الحكومة الإنتقالية بالمعارضة (الراشدة) ،
وبين (تغيير المسار) الذي يستهدف التمهيد إلى تعبيد طريقٍ آخر لا يودي إلى الديموقراطية ولا الحُرية ولا العدالة ولا دولة المؤسسات والقانون ، ومن يتصدَّع له حائط لا يهدم سائر الحوائط ولا يدُكَ بيتهُ ، فلا تأخذنكم مشاعر الإحباط وإسترجاع مواجع الأزمات الحياتية التي كادت تقصم ظهر الصبر والإحتساب في الضمائر ، ليبقى التساؤل الأهم في معالجة معظم مفاهيمنا فيما يحدث الآن في بلادنا (هل كان كانت تقديراتنا وتوقُّعاتنا ومعنا حكومتنا الإنتقالية التي نصَّبناها بدماء الشهداء وأنَّات الجرحي وسائر التضحيات ، لحجم التضحيات والمواجع التي يتطلبها إعادة بناء السودان وإستنهاضهِ صحيحة ودقيقة ومواكبة لما نمُرُ بهِ في واقعنا الحالي من أزمات ومواجهات؟).