تصدر صحيفة التحرير الإلكترونية في ظل ظروف استثنائية وصعبة يمر بها الوطن، وأمام تحديات وصعوبات ماثلة واجهتها عدد من الصحف التي سبقتها في الصدور، تتصل بمسألة التمويل، وبمسائل فنية، إلى جانب ما يتصل بتوجه الصحيفة واستقلاليتها، ورأي القراء فيما يكتب، ويجري تناوله في مختلف المجالات، وهي أمور آمل أن تتمكن الصحيفة من تجاوزها مستفيدة من التجارب التي سبقتها.
ويسرني في هذه السانحة أن أتقدم بالتهنئة القلبية الخالصة إلى إدارة الصحيفة وأسرة تحريرها على هذا الإنجاز، كما أقدم لهم شكري على ثقتهم في شخصي، وهم يطلبون مني مداومة الكتابة في الصحيفة بشكل راتب.
إن أملنا كبير في أن تصدر صحيفة التحرير الإلكترونية في ثوب قشيب ومقبول لدى القراء، مستصحبة التجارب السابقة في هذا المجال، ومستفيدة من إيجابياتها، ومتجاوزة ما قد يكون من سلبيات؛ لتنضم إلى رفيقاتها من صحف إلكترونية وورقية تؤمن بحرية الكلمة، وضرورة إفساح المجال للرأي والرأي الآخر.
كما آمل أن تشكل هذه الصحيفة إضافة نوعية، بأن تكون منبراً وطنياً قومياً يعبر عن آراء جميع أهل السودان وتطلعاتهم، بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم من دون إقصاء من خلال تقديم خدمة إعلامية متميزة تتسم بالموضوعية والصدق والإخلاص والشفافية، وذلك بمهنية عالية؛ لتشكل جسراً للتواصل ومنبر عطاء لخدمة قضايا المهجر والوطن، وأعتقد أن ذلك ليس بالأمر الصعب إذا ما التزمت وضوح الرؤية والرسالة والهدف، مع تميز مجموعة أسرة التحرير والكتاب من أصحاب القلم الحر المتعاونين معها.
لا شك أن صحيفة التحرير والإعلام السوداني بوجه عام مواجه بتحديات كبيرة في وطن مثخن بالجراح، فقد الكثير خلال ما يقارب الثلاثة عقود، بانفصال الجنوب الذي ظل يمثل ثلث مساحته، وثلث سكانه، وأكثر من نصف ثرواته، ومع تواصل الحروب والاقتتال القبلي في أجزاء واسعة من أرض الوطن، وتمدد النزاعات والصراعات حول قضايا أساسية في ظل حكومة أخفقت في أن توفر أدنى مقومات الحياة مع إخفاق إداري، وفساد مستشرٍ تسير به الركبان، وفى ظل إصرار من الحكومة على إقصاء الآخر الذي يخالفه الرأي؛ مواصلة لنهجها القديم المتجدد.
يحدث ذلك كله في ظل ظروف إقليمية وعالمية بالغة التعقيد، فتحت الباب لتدخلات أجنبية في ظل تنامي الحركات الفكرية والمنظمات الإقليمية والعالمية والمنابر المتعددة ذات الأجندة الخاصة. ولهذا فإن أي كتابة صحفية لأمثالي في هذا الوضع ليس بالأمر اليسير، وفى هذا التوقيت لا بد أن تكون من أولوياتها قضايا الوطن النازف، وهمومه، وأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً ما يكابده أهلنا داخل من معاناة يومية.
كما أجد نفسي من جانب آخر مشغولاً بقضايا أبناء السودان المقيمين في المهجر، الذي أصبح يشكل سوداناً آخر خارج الحدود، إذ يقارب تعداد المقيمين في المهاجر أكثر من ثلث سكان السودان، وفق إحصاءات الأمم المتحدة. ومعظم هؤلاء غادروا الوطن فى هجرة قسرية فرضت عليهم، ولسان حالهم يردد قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك).
إن اقامتي الممتدة سنوات عديدة خارج الوطن مع مساهماتي في عدد من مؤسسات المجتمع المدني والخدمة العامة، ومعايشتي اليومية لهموم المهجريين وقضاياهم تجعلني أيضاً مشدوداً للكتابة فى هذا الجانب. فالمهجريون يواجهون ظلم الدولة وآلام الغربة، وحين تتأمل هذه الشريحة تجدها بين المطرقة والسندان، دولة ظالمة طاردة لأبنائها وبلدان مضيفة ملت طول الاستضافة، ولم تعد مرحبة بهم. والدولة السودانية من جانبها تخصصت في زيادة معاناة وهموم مواطنيها المهاجرين، بشتي السبل بدءاً بسلب حقوقهم الدستورية والقانونية وفرض الضرائب، والزكاوات، والإتاوات، والرسوم غير المبررة ، فى الوقت الذى تغض فيها طرفها عن أبسط الواجبات والالتزامات نحوهم، من حيث معاملتهم بوصفهم مواطنين لهم حقوق مثل ما عليهم من واجبات. كل ذلك، بجانب تنصل الدولة من مسؤولياتها ومهامها تجاه مواطنيها في الداخل ليتحمل المهاجرون مسؤوليات معايش الأسر الممتدة هناك والتزاماتها.
هذا التنازع الفكري والوجداني بين ما يجري في الوطن والمهجر يدفعني للكتابة والتواصل عبر هذه المساحة، مزاوجاً فيما أكتب بين معاناة الوطن والمهجر، بوصفهما وجهين لعملة واحدة، ولهذا سأتناول في مقالاتي الراتبة بإن الله قضايا تحت عنوان رئيس هو “المهجر والوطن”. من خلال تناول قضايا مختلفة وفق ما يتطلبه سير الأحداث وتطوراتها فى المهجر والوطن. وهو العنوان ذاته الذى ظللت أكتب به مقالي الأسبوعي في صفحة الرأي بصحيفة الخرطوم خلال العام 2010م.
أسأل الله العلي القدير أن أوفق فيما أكتب، مرحباً بكل رأي ونقد بناء فيما يصلح من المسيرة في طريق تجاوز محنة الوطن، والمساهمة في حل قضاياه، والمشاركة في إعادة البناء والاستقرار والتنمية في ظل الحرية والديمقراطية والسلام العادل الشامل. مع أمنياتي لصحيفة التحرير بالتوفيق والنجاح.