ارتباط اسم السودان بالإرهاب كان وضعاً شاذاً، لأنَّ
بين الإنسان السوداني وصفة الإرهابي بوناً شاسعاً، يدركه كل من تعامل مع
السودانيين في أيِّ مكانٍ من العالم.
ولكن من أوهموا البسطاء بالمشروع الحضاري كانوا وراء
وضع اسم السودان في قائمة الإرهاب، بسبب ممارساتهم التي لا تشبه الإسلام، الذي
ادعوا أنهم يحملون لواءه، ولا تشبه السودان الذي عُرِف أهله بالسماحة وطيب المعشر.
ظل الإنقاذ ينتهك حقوق أهل السودان منذ أول يوم له، فزجّ بكثير من رموز القوى السياسية في السجون، وصادر أموالهم، ومنازلهم، وأحال موظفي الدولة، ممن رآهم معارضين له، إلى الصالح العام، وأحلّ محلَّهم زبانيته من عديمي التأهيل والكفاءة، الذين استباحوا المال العام، وتصرَّفوا فيه كما لو كان خاصّاً بهم، فأصبح الفساد السمة الأبرز للنظام، وقد اعترف به رأس الدولة، وشكّل مفوضية خاصة لمحاربته، وعندما مسّ الأمر أقرب الأقربين، أحالها إلى التجميد والتقاعد قبل أن تمارس عملها.
وأحال الإنقاذ البلد إلى سجنٍ كبير، فعرف السودان ما يُعرف
ببيوت الأشباح، التي فقد فيها شرفاء كثر أرواحهم، على أيدي مجرمين تفنَّنوا في
ممارسة التعذيب على ضحاياهم، وطالت بلطجة النظام الدول المجاورة، فكانت محاولة
اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بعد أن أصبح السودان مأوى لجماعات
الإرهاب التي تتدثر زوراً بالإسلام.
وارتبط اسم الإنقاذ بإيواء إرهابيين بدءاً من كارلوس
إلى بن لادن، فكان ذلك سبباً في وضع اسم السودان في قائمة الإرهاب عام 1993م، ثم
فرض عقوبات اقتصادية قاسية يعاني منها الوطن حتى اليوم، ولم يمنع ذلك البشير من
التورط في تفجير المدمرة كول في عدن في عام 2000م، وقبل ذلك تفجير سفارتي الولايات
المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998م.
وجاءت الطامة الكبرى متمثلة في جرائم الحرب، والإبادة
الجماعية في دارفور، وهذا ما جعل البشير ومعاونيه مطلوبين للمثول أمام محكمة
الجنايات الدولية، إلا أنه ظلّ على صلفه، مع أنه فرّ من جنوب أفريقيا في أثناء
حضوره قمة الاتحاد الأفريقي في عام 2015م بطريقة مهينة؛ مسبباً مشكلة معقدة
للحكومة هناك.
واحتفل أنصار البشير بعودته هرباً من جوهانسبرج، ورفعوا لافتات تشيّع المحكمة الجنائية الدولية إلى مثواها الأخير، ووضعها هو “تحت الجزمة”، ومعها أمريكا.
إنَّ ما قامت به حكومة الفترة الانتقالية من جهود
واسعة لتغيير صورة السودان التي شوَّهها الإنقاذ بممارساته يستحق التحية،
والاعتراف لها بالنجاح، مهما حاول الكائدون تغبيش تلك الجهود، والتغطية عليها.
وجاء استقبال المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية
من مجلسي السيادة والوزراء، والجهات العدلية مؤكداً أنَّ السودان قد تغيّر، حتى إنَّ
المكوّن العسكري الذي يتمنَّع، ويرفض تسليم البشير رحب التعاون مع الجنائية
الدولية، من أجل تحقيق العدالة، التي تمثل أهم شعارات ثورة الشعب المجيدة، مع
شعاري “الحرية والسلام”.
لقد قلت في مداخلة لي مع قناة “سعودية 24”
إنَّ السودان استوفى شروط رفع اسمه من قائمة الإرهاب قبل تغريدة الرئيس الأميركي
رونالد ترمب بقليل، ليأتينا خبر هذه التغريدة ونحن مع جمع من الزملاء الصحفيين في
شأن عام، ليتحوّل الاجتماع إلى فرح عارم، اختلطت فيه الأدعية بالدموع، وزغاريد
الكنداكات، في لوحة تعبّر عن حبٍّ عميق يحمله السودانيون الشرفاء لوطنهم.
إنَّ السودانيين اليوم مطالبون بأن يكونوا مع تيار
الإيجابية الذي يسعى إلى الشراكة المجتمعية في تجاوز الصعوبات المتعلقة بإنفاذ
اتفاقية السلام، وهي لا تخفى على أحد، وتحقيق التعايش السلمي، الذي يمثل التحدي
الرئيس، وذلك بإعلاء القيم الوطنية، والترفُّع عن المغانم الشخصية والقبليّة، ورفع
شعار “السودان أولاً”.
إنَّ ترجمة هذه الأماني على أرض الواقع ليست عزيزة إذا
وجدت الإرادة، وغلَّبت المصلحة العامة على المصالح الضيّقة، وعمّ نفوسنا يقين بأنَّ
بقاء السودان وطناً موحَّداً هو في مصلحة الجميع، لأنَّ أي انشطار يعني
“اللادولة”، ولا تحتاج هذه القراءة غير أن نرفع رؤوسنا لنرى حولنا
بلاداً أكثر ثراءً منا تحولت إلى غابة، وساحة للمرتزقة من كل صوب وحدب.
تفاءلوا بالخير تجدوه، ولكن نيل الأماني ليست بالتمني
فحسب.
حمى الله السودان من شرور بعض أبنائه، ورحم شهداءنا
الذين جعلوا التفاؤل بغدٍ أفضل ممكناً.