خاب فأل الكيزان وهم يرون الدبلوماسية الهادئة لرئيس الوزراء حمدوك وهي تدك أحد أهم الشراك التي نصبوها للسودان حتى يكون تحت وصايتهم إلى الأبد.
كبدت سنوات العزلة الطويلة التي تسبب فيها «الكيزان» السودان حسب تقديرات الاقتصاديين، نحو 500 بليون دولار أمريكيا، وفي رواية أخرى تريليون دولار او يزيد. لم تكن العزلة تعنيهم في شئ ولم يكن ليمسسهم نار المعاناة بعد أن شيدو لأنفسهم ابراج عالية واستثمارات تدر لهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة. لسنوات طويلة ظل الإسلامويون يروجون لفكرة ان امريكا تحاصر السودان من أجل الشريعة وخوفا من مشروعها الحضاري، وبذلك يكون ثمن الحصار بنظرهم مستحقا. نفس الملامح والشبه نجدها في إعلان الجهاد على الجنوب الحبيب وتحشيد الشباب لخوض غمار الحرب المقدسة هناك. خسر السودان الجنوب وتلقى كارثة العقوبات الأمريكية، ولم يكسب الشريعة المزعومة.
ببساطة لأنه لم تكن هناك اصلا شريعة ولا يحزنون، ولا يملكون كتنظيم اي رؤية لحكم إسلامي رشيد، بل مجرد غطاء لتنفيذ اخبث أجندة الإسلام السياسي لصالح التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي وجد ضالته في السودان كما وجد اليهود ضالتهم في فلسطين. وهكذا ثمة وجه شبه بين الصهيونية اليهودية والصهيونية الاسلاموية التي استعمرت السودان طويلا باسم الدين. انفصل الجنوب وخسر السودان نحو 500 الف برميل من النفط يوميا، كما خسر الأمن المائي وطاقات بشرية منتجة.
تقدر خسائر انفصال الجنوب من النفط وحده حسب الاقتصاديين باكثر من 100 بليون دولار. وبما أن النفط أغلى من الماء، فإن خسائر السودان من الأمن المائي لا تقدر بثمن. كان اسلامويو الانقاذ ولا زالوا لا يبالون بالكوارث التي تحيق بالوطن جراء سياساتهم الخرقاء طالما أن التمكين بخير، وطالما أن مكاسبهم بخير.
لم تكن العقوبات الأمريكية ولا انفصال الجنوب تعني لهم شيئا في البدايات الاولى، إلا بعد أن استكمل الاقتصاد السوداني نزفه وبدأ يتهدد كل مكاسب التمكين. فجأة استشعر القوم الخطر.بعد أن يبست المزارع التي كان يمكن ضخ بضعة دولارات تذهب الى جيوبهم فيها. فارض السودان الخصبة كانت تنتظر قليل من الاستثمار لتعطي الكثير من الرخاء. لكن هؤلاء الذي طغوا واستكبروا ولم يخلق مثلهم في البلاد من حب للذات وحقد دفين على وطنهم، كانوا بخلاء ضنينين تجاه كل ما ينفع الناس. وهكذا عوضا عن الاستثمار في الأرض راحوا يبيعون أرض السودان وماءه لكل من هب ودب من الانتهازيين في الاقليم، وهذه قضية أخرى قادمة.
ان كل ماتكبده الوطن من العقوبات في سبيل شعارات زائفة لأمر محزن جدا، بخاصة اذا علمنا أن دولة الاخوان المسلمين التي كانت ترى في العقوبات الامريكية والعزلة التي أحاطت بالسودان سنوات طويلة، مهرا وثمن مستحقا لدولة الشريعة والمشروع الحضاري..!!
أما وقد أصبحت المقاطعة والعقوبات تتهدد مكاسب الجماعة من التمكين كما أسلفنا، فقد هرع هؤلاء نحو امريكا يغازلونها مبدين الاستعداد للتعاون الامني وتسليم كل الارهابيين الذي اتوا إلى السودان من كل اصقاع الدنيا. ولابداء حسن النوايا تم إبعاد أسامة بن لادن من السودان لكن خالي الوفاض من كل راسماله الذي ورثه الكيزان، كما تم تسليم ملفات ومعلومات كل الارهابيين الذين تم منحهم جوازات سودانية لوكالة الاستخبارات الامريكية.وضخ النظام ملايين الدولارات للاستثمار في مكاتب العلاقات العامة ومراكز صناعة الراي العام لاستعادة العلاقة مع امريكا التي دنا عذابها. الحرب مع أمريكا وفي الجنوب اذن كانت معارك في غير معترك دفع السودان اثمانها غاليا… ويجدر ان نتساءل الان اين المشروع الحضاري وأين الدولة الاسلامية التي لم يفلح اهل النفاق في اقامتها في أرض السودان طيلة 30 عاما من الحكم للتنظيم الإخواني؟.
الشاهد أننا بعد إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، أصبحنا أمام تحول جديد يعيد الحياة للأمل السوداني في غد أفضل للوطن وإنسانه. هذا هو الحال منذ بدايات الثورة التي تحفها العناية الإلهية. فما إن يدب اليأس في القلوب حتى يأتي الله بأمر يقلب كل الموازين رأسا على عقب. وكأنه سبحانه وتعالى يقول لأهل النفاق أن أمركم قد انتهى وقد علم الله مافي قلوبكم من شر..
بدبلوماسية تحفظ كرامة الوطن والمواطن تم بنجاح إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية. سجن الوطن وعزله عن العالم من حوله كانت واحدة من الأهداف الشريرة غير المعلنة للطغاة الذين أرادوا السودان وطنا لهم وحدهم والآخرون مجرد «كومبارس»..!!
ما تركوا معبداّ للشر إلا صلوا وتبتلوا فيه، حتى يكون الوطن ضيعة خاصة بهم. لن يجد الباحث في التاريخ عدواّ ماكراّ وحاقدا على وطن مثل هؤلاء الذين استعمروا السودان وتمددوا في أرجائه طويلا لثلاثة عقود واكثر وبرعوا خلالها في هدم وتدمير كل ما ينفع الناس. لم يتركوا قطن الجزيرة، لا صمغ الغرب ولا موانئ الشرق. انتاشت سهام حقدهم ايضا البان بابنوسة وتمور كريمة ..وغيرها. حتى الجزيرة التي نزرع فيه قطنا ونحقق أملنا لم تسلم من أفعالهم النكراء.. ونذكر القطن المحصول النقدي إلى جانب الصمغ العربي ..ما تركوا نقلا بحريا او نهريا او جويا او حتى ميكانيكيا…لم يتركوا مصانع الغزل والنسيج ولا مدابغ الجلود الحكومية. انهالوا هدما على كل ما يوفر للوطن درهما او دينار…فكانت الضربة القاضية للأسواق الحرة وتسويق الماشية. ثم اعادوا النظر كرتين فوجودا عراقة ما زالت تسري في النظام المصرفي…بنك باركليز الذي تأسس العام 1914 قبل أكثر من قرن من الزمان…بمنتهى البساطة تم بيع بنك الخرطوم (باركليز سابقا) ضمن صفقات بيع بخسة وحقيرة للوطن.. لينهار النظام المصرفي بأسره ويستكمل النظام بذلك خنق الوطن اقتصاديا…انه التمكين الشرير ..(نحن ومن بعدنا الطوفان).
اليوم يتحرر الوطن من سجن الإرهاب وقسوةالعقوبات الاقتصادية بعد أن تكبد كل تلك الخسائر الضخم، بمعنى أن كل مواطن دفع نحو 15 الف دولار مقابل الخسائر المنظورة فقط للعقوبات الامريكية.
بالفعل، لا الانفعال ازاح حمدوك اليوم واحدة من اكبر خوازيق الكيزان… ظل يقول لهم سنعبر وما درى القوم ما عنى… وها هو اليوم بذاك الهدوء الذي يحسد عليه يعبر بالوطن من ظلام العزلة إلى نور الاندماج مع المجتمع الدولي. خلال الفترة القادمة سيفقد الانقاذيون ورقة الدولار اهم سلاح لهم لإسقاط حكومة الثورة… وسيتوالى انتعاش العملة الوطنية والاقتصاد… وكلما لاح في الافق بارق أمل سينكفئ كيزان السودان على انفسهم يعود منهم من يشاء مواطنا صالحا يدرك أهمية التعايش في وطن يسع الجميع …وطن شعاره: حرية سلام وعدالة.. ومن شاء منهم سيظل متشبثا بصهيونيته الاسلاموية التي ترى أنهم شعب السودان المختار… ما بين ليلة وضحاها تغير كل شئ وأصبح لدينا نفاج أمل في غد يستحقه كل سوداني بجدارة…ولسان حالنا يقول للعالم: ما أحلى التصافي من بعد التجافي..!!
صحفي اقتصادي وباحث