في الوقت الذي كان المرجفون يتوقعون أن يرفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاجبيه الغزيرين لتكشفا عن عينين صغيرتين حمراويتين ويكشر عن نابيه لحكومة حمدوك بأنها ستواجه ما لا يحمد عقباه ما لم تعلن تطبيع العلاقات السودانية مع اسرائيل بأسرع فرصة ممكنة ، مقابل شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ومن ثم رفع العقوبات الاقتصادية كاملة ، كانت لادارة ترامب حساباتها الانتخابية الخاصة. إذ اتضح لها مع وصول الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة الى المنحنى قبل الأخير.
إن الوقت لا يسعها أن تنتظر القرار السوداني بالتطبيع أن يخرج للحياة جنينا كاملا دون أن يمر بمراحل التطور الطبيعي للولادة داخل رحم أمه. فالمسيح عليه السلام ، أسطورة المواليد الذي تكلم في المهد وأبرأ الأكمه وعالج الأبرص وأخبر الناس بأسرار بيوتهم ، لم يكن قد خرج من بطن العذراء قبيل تمام دورته. والسادات الذي حاول تجاوز التطور تجاوزه الاسلامبولي ، وما زالت اوسلو مضغة في رحم عملية السلام وحل الدولتين.
أمام ترامب عدة اجراءات لتنفيذ الاتفاق بينه والحكومة السودانية حتى يصل مبلغ التعويض الى أصحابه قبل وقت كاف ليقرروا التصويت لصالح ترامب إقرارا بهذا المعروف الذي أسداه لهم.
اذن ما كان البرهان يدري أن لترامب حسابات قاهرة قد تتعاض مع أجندة الخرطوم وأن تلويحه بسوط التطبيع لم يكن سوى لضرب عصفورين بحجر واحد هما أصوات اليهود وأصوات ضحايا المدمرتين.
وما كان البرهان يحسب أن ترامب مثله مثل كل ممتحن اذا لم يسعفه الزمن فالأفضل له أن يجيب على سؤال واحد مضمون بدل أن يضيع وقته في التفكير في الاجابة على مادة لم يستذكرها جيدا.
فيما كان البرهان الذي يدخل بدوره امتحانا خارج المنهج العسكري الذي تلقاه في الكلية العسكرية بوادي سيدنا يرمي بكل أوراقه وبمعيته حميدتي خلف ورقة التطبيع بل إن قطيعا متزايدا من بني جهل شرعوا في تكوين وفد سيزور اسرائيل وجمعية تطبيع سودانية اسرائيلية تتشكل ومبارك الفاضل يكشف عوراته القديمة لاعتقاده بأنه لم يبق لصائم يوم ذي مسغبة سوى دقائق لآذان المغرب.
تغريدة ترامب بأنه سيعمل لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب “طرشقت” حلم البرهان بأنه قادم بقوة نحو تطبيق سيناريو السيسي في السودان فأرجأته حتى اشعار آخر.
تغريدة ترامب منحت حمدوك ومن خلفه القوى الثورية فرصة جديدة لتستعيد أنفاسها وهي التي كادت أن تودي بها “خناقة” الخبز والوقود.
التغريدة أزالت كثيرا من الغموض الذي كان يكتنف ما تئول اليه مليونية ٢١ اكتوبر ٢٠٢٠ حيث أسقطت وبضربة قاضية احتمال تفويجها بواسطة مطوفين كيزان ورفع شعارات رجعية.
وبرغم أن الكرة عادت لاستحواذ فريق حمدوك الا أنه – والحق يقال – لا يتوقع أن يخرج بها عن منتصف ملعبه ليهاجم خصمه في النصف الآخر بضراوة ثورية لا يملكها.
كما أن الوعي الثوري الذي تتميز به لجان المقاومة مضافا اليهما اليسار التقليدي ليس مؤهلا لقيادة المرحلة القادمة في ظل الافتقار الى رجل دولة قوي وقوانين ثورية رادعة وإمساك جديد بزمام الأمور بعيدا عن الأحلام الديمقراطية وتمهيدا لبسط سلطة الحكومة الانتقالية لأطول فترة زمنية ممكنة قد تتجاوز الخمس سنوات حتى تتحقق كامل أهدافها ومن ضمنها اعادة بناء الهيكلة السياسية بخروج الأحزاب التقليدية والعقائدية من المسرح واتاحة الفرصة للشباب والكنداكات لصياغة مستقبل السودان الجديد.
الرياض – السعودية عشية ذكرى ثورة اكتوبر