تعقيدات قانونية عجيبة ذكرها الدكتور الدرديري في تعليقه على تغريدة الرئيس الأميركي ترمب حول خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن المعروف ان هذه المعضلة سال فيها مداد قانوني ودبلوماسي كثيف، وجرت مفاوضات عديدة استمرت نحو عقدين من الزمان تحولت فيها من قضية سياسية قانونية إلى تداخلات إقليمية أخرى.
وقال الدرديري إنه لن يسعد ببقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب كما فعل المعارضون لنظام الإنقاذ، كأنه يريد بذلك الامتنان علي الشعب السوداني، وتذكيرنا بمثاليتهم وخلقهم الرفيع.
الحقيقة أن الذي ورط السودان في هذه القضية من أولها إلى آخرها هي حكومة الحركة الاسلامية بطيشها ورعونتها وليست المعارضة كما تحاول الحكومة السابقة أن ترمي بدائها على الآخرين وتنسل من هذه الهوة العميقة التي أدخلت البلاد فيها.
صحيح لقد كان للمعارضة دورها خلال مدة بقاء الإسلاميين في السلطة خاصة عقب اندلاع الحرب في دارفور 2003م، التي أدت إلي عقوبات اقتصادية تم رفعها بأوامر تنفيذية في آخر عهد ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما.
اما دخول السودان لقائمة الدول الراعية للارهاب عام 1993 م، فقد كان بسبب سلوك الحكومة الإسلامية منذ عام 1991م حتى قبل أن تكتمل اركان المعارضة الشمالية الجنوبية لنظام الإنقاذ.
السؤال كيف دخل السودان قائمة الدول الراعية للارهاب؟
إن دخول دولة في قائمة الدول الراعية للارهاب الأميركية لم يكون بسبب المعارضة، وانما يجري عبر الكونغرس الأميركي ووزارة الخارجية، وعبر ترتيبات وتقارير ومداولات داخل الكونغرس الأميركي.
وكانت الولايات المتحدة قد قدمت لحكومة السودان في ديسمبر عام 1991م مذكرة شديدة اللهجة سلمت لوزير الخارجية اوضحت فيها ان لديها تقارير مؤكدة بدخول عناصر إرهابية للسودان، وأنها تخشى أن يكون السودان ملاذاً للإرهابيي، ومهددا ًللمصالح الأميركية في المنطقة.
وتبادل الطرفان عدة مذكرات، ووجهت الإدارة الأميركية للحكومة السودانية عدة ملاحظات حول سجلها في مجال حقوق الإنسان والتعذيب والحرب الدينية التي انتهجتها الحكومة بالجنوب ودعمها للإرهاب، وسياسة كراهية الآخر.
وفي يناير 1992م، زار رئيس لجنة أفريقيا بالكونغرس الأميركي المنطقة الافريقية، وعند عودته من الجولة قدم تقريراً للكونغرس جاء في حيثياته أن السودان يشكّل تهديداً لجيرانه، كما أنه يوفر ملاذاً آمنا للجماعات الارهابية، مثل: عناصر من حزب الله، والحرس الثوري الايراني، وحماس، والقاعدة، وان بعض من هذه المنظمات والعناصر مدرجة في القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
وذكر الكونغرس في حيثياته ان السودان لم يرفض التعاون لطرد هذه المنظمات فحسب، بل وفر لها ملاذات وبيوت آمنة والتدريب…الخ.
ومما زاد الطين بلة زيارة الرئيس الايراني رفسنجاني الخرطوم في ديسمبر 1991م، واستقباله استقبالاً حاشداً في الخرطوم، وجاء في معيته 150 مسؤولاً حكومياً تم خلال الزيارة توقيع العديد من الاتفاقيات الامنية والعسكرية التي زادت من تخوف الدول المجاورة.
ثم تبع ذلك دخول بن لادن وبقاؤه بصفة مستثمر في السودان، وتحالفه مع الترابي، ودخول كارلوس، واصبح السودان فعلاً ملاذاً آمناً للمجموعات الاصولية التي تحارب دولها؛ إضافة الي وقوف السودان بشطط مبالغ فيه مع العراق، بل ومعاداة الحكومة الإسلامية للدول العربية التي احتضنت القوات الامريكية.
في نهاية الامر اصدر الكونغرس اغسطس 1993 توصيته لوزارة الخارجية بوضع السودان في القائمة المشؤومة، وهي قائمة استحدثتها أميركا عام 1979م.
يستغرب الدرديري بخطل عن عدم معاملة السودان كحركة طالبان، والحقيقة أن موضوع طالبان يختلف تماماً عن موضوع حكومة السودان كدولة ذات سيادة تقدم الدعم لمجموعات تصنفها أميركا كمجموعات إرهابية، كما أن لأميركا أن تنظر للموضوع من ناحيةمصالحها الجيوسياسية، فموقع السودان غير موقع طالبان، وان ما تشكله حركة طالبان او غيرها من خطر للمصالح الأميركية يختلف من جهة لآخرى، وان طالبان حركة سياسية، وليست دولة، وإنما تتقاسم أفغانستان مع حكومة كرزاي في كابول.
اضف إلي ذلك أن أميركا كانت قد قامت بشن حرب دولية على طالبان، والقاعدة أدت إلى احتلال افغانستان، ونصبت حكومة موالية لها مما يغني عن وضع افغانستان/طالبان في قائمة الدول الراعية للارهاب.
وفي تقديري أن أميركا قد تضع في حسبانها في الوقت الحالي إمكانية عودة الحركة الإسلامية للسيطرة علي الحكم في السودان مرة أخرى طالما أن الكيزان يتربصون بهذا الشعب الدوائر، وانهم قد ينقضون عليه مرة أخرى كما سبق وان أجهزوا على الديمقراضية التي كانوا جزءاً منها عام 1989م.
مما لا ريب فيه أن دخول السودان في هذه القائمة المشؤومة، وهذه الهوة العميقة كان بسبب سلوك الاسلاميين وسياساتهم التي روعت الصديق والقربب والجار والبعيد علي حد سو، ء وليس للمعارضة اي دور فيها كما يحاول الإسلاميين ان يلصقون التهمة بالآخرين.
ولقد اعترف مدير الأمن السابق صلاح قوش صراحة في تصريحات سابقة أن من أخطاء الحركة الإسلامية أنها جاءت إلى السلطة، وتحمل قائمة بأعدائها، ثم بادرت بالعدوان عليهم يوم كانت في قمة تسلطها وجبروتها.
عبد الرحيم وقيع الله