(المصطلحات والمفاهيم)، ليست بديهيات متفق عليها ولا هي مفهومة ضمنًا. ومنعنًا للبس، وتخفيفًا للتباين والتعارض والتضاد والخلط وتعدد التأويلات والتفسيرات، أتمنى أن تصدر حكومة حمدوك “ورقة بيضاء” (White Paper) تحدد فيها بوضوح ودقة تعريفها ومفهومها لمصطلح “المصلحة الوطنية الحيوية العليا”، الذي هو ركيزة أساس تستند عليها وإليها الدول، العظمى والنامية على السواء، في صناعة سياستها الخارجية؛ تحديدَا لأهدافها وأولوياتها، وصياغةً لاتجاهاتها ومساراتها، ورسمًا لعملياتها وأنشطتها.
والمتفق عليه بين الدارسين والباحثين أن “المصلحة الوطنية الحيوية” للدولة، ليست ثابتة، وإنما هي عرضةٌ للتحولِ وقابلةٌ للتطور، تأثرًا واستجابةً لجملةٍ من المحددات الداخلیة، والإقليمية والدولية.
ومن الطبيعي، وفي سيولتنا السياسية الحُرة الراهنة، أن يسعى كل فصيل وحزب إلى إضفاء بعضٍ من أيدولوجيته وبرامجه وطموحاته على مفهومه الخاص للمصلحة الوطنية، وبذا تضيع المصلحة الوطنية، ويتفرق دمها بين الاجندات السياسية الخاصة والخطابات الأيدولوجية الغارقة في الذاتية التائهة في ثناياها.
ولهذا من الأهمية أن تحدد السلطة المفوضة ما تعنيه بالمصلحة الوطنية العليا. الخطوة الأولى للتوافق على فهم مشترك للمفهوم، تبدأ بالاتفاق على الأولويات الوطنية في الوقت الراهن.
وهي عملية إذا أردنا إنجازها بصورة تجسد الواقع وتعبر عنه، فعلينا الاستفادة من المناهج العلمية المساعدة المستخدمة في جمع وتحليل البيانات وعلى رأسها منهج التحليل الرباعي الرباعي (SWOT Analysis) واسع الاستخدام في عمليات التخطيط الاستراتيجي، والهادف إلى التحليل العميق لنقاط القوة Strengths، والضعف Weaknesses، مع تحديد الفرص المتاحة Opportunities، والمخاطر المحتملة Threats.
وأي تحليل رباعي صادق للواقع السوداني، سيكشف عن الأوليات الراهنة. وحتمًا سيكون من أبرزها:
1. رفع مستوى معيشة المواطن، وتحسين ظروف حياته، وتوفير المواد الاستهلاكية الاستراتيجية الأساسية.
2. تقوية قدرة الدولة على توفير مصادر الطاقة ومدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي.
3. إيقاف الحرب والعمل على بناء السلام العادل والشامل والمُستدام، والعمل على إفشاء الاطمئنان، وحماية النظام العام، بتطوير اجراءات وممارسات ومؤسسات ضبط إداري مسؤولة عن المحافظة على الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة العامة، والآداب العامة.
4. اصلاح النظام القانوني (العام والخاص)، بما يحفظ الحقوق، ويرفع الظُّلم، ويقيم العدل، ويحارب الفساد، ويحدد الواجبات والمسؤوليّات، وينظم البيئة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.
5. مُعالجة الأزمة الاقتصادية، بإعادة هيكلة الاقتصاد في عملياته ونظمه ومؤسساته، خلقاً لبنى تحتية أساسية، وتشكيلات اقتصادية أكثر حداثة، وعلاقات عمل جديدة، وشرائح مهنية وحرفية قادرة.
6. إصلاح أجهزة الدولة بإعادة هندسة الخدمة المدنية، وإرساء نظام إدارة عامة فاعل.
7. الارتقاء بالخدمات التعليمية والصحية الحكومية كمًا وكيفًا.
8. توحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة جيش واحد قومي متماسك، عقيدته حامية للدولة المدنية.
9. إعادة تأهيل أجهزة تنفيذ القانون (الشرطة، الأمن، الجمارك، الدفاع المدني، السجون، إلخ).
10. بناء علاقات إقليمية ودولية مُتوازنة تمكن الدولة من الانفتاح على الخارج اعفاءً للديون، واستقطابًا للاستثمارات والتقنيات والمعارف، وفتحًا لأسواق جديدة، وتوسعًا للتبادل التجاري.هذه أبرز الأولويات، وهي مفتوحة لاسهامات الأصدقاء تعديلًا وحذفًا وإضافةً.على ضوء مثل هذه الأولويات الواضحة تتحدد المصلحة الحقيقية للدولة.فهل يمكنك الآن ان تسهم مع المسهمين في تحديد المصلحة الوطنية العليا للسودان في الوقت الراهن.