لا يعلم احد حتى الآن ماهي الضغوط التي مورست على حمدوك لكي يغير موقفه الذي أعلنه من قبل بان سلطته لا تمتلك تفويضا لمناقشة قضية التطبيع، اللهم إلا إذا كان موقفه الأول هو موقف تكتيكي اراد به تحقيق مزيد من المكاسب في عملية التطبيع نفسها على طريقة الرفض في البداية ثم وضع شروط محددة والموافقة في النهاية.
خطوة التطبيع باعت بها الحكومة التنفيذية بقيادة حمدوك قوى الحرية والتغيير، وتجاوزتها بصورة غير لائقة، فاتفاق السلام مع إسرائيل لم تتم مناقشته مع قوى الحرية والتغيير، بل حمل تصريحا آخرا متداولا اليوم الأحد لعضو مجلس السيادة صديق تاور بأن التطبيع لم يعرض عليهم، مما يجعل هذه الخطوة بإجمعها من تخطيط وتنفيذ البرهان وحمدوك ودائرة ضيقة من حولهما، وهي خطوة مدهشة نتساءل فيها عن سر هذا التناغم الذي تم عبره تجاوز الحاضنة السياسية وأعضاء من مجالسهم؟ وعن ماذا حدث بالضبط خلف الأسوار المغلقة وفي اضابير الحوارات وماهي الصفقة وكم ربح السودان وكم خسر؟!.
خطوة الحكومة فجرت حرائق سياسية داخل مكونات الحكومة، وزير العدل بدل ان يساهم في اطفاء الحرائق التي احدثتها خطوة تخطي الحاضنة السياسية، اطلق تصريحات نارية مليئة بالعنترية فجرت الوضع اكثر، والتبرير الوحيد لهذه التصريحات غير الموفقة هو صغر سن الوزير وحداثة تجربته السياسية وضخامة الخطوة التي أقدمت عليها حكومته وربما الضمانات التي قيلت لحكومته من خلف البحار عن الدعم القادم لها والعمل على تثبيتها أمام كل الرياح والأعاصير.
لا تمثل قضية فلسطين قضية حياة او موت بنسبة للمواطن السوداني، فما يهم المواطن هو السودان والسودان للسودانيين، ولذلك فقضية التطبيع هي في نهاية الأمر موقف سياسي، تحويل الموقف تجاه فلسطين إلى موقف مقدس لا يمكن المساس به وجعله فوق أولويات ومصالح السودان وشعبه هو تصرف سياسي خاطيء لن يقبله الشعب اطلاقا في الوقت الراهن، ونتوقع أن هذا سيكون مفهوما للجميع الا أصحاب الايدولوجيا المحنطة من بعث عربي واسلاميين وشيوعيين.
القوميون العرب تقوم فكرتهم الجوهرية حول نصرة فلسطين وقد حطمت دولة الرئيس المصري انور السادات هذا الصنم وهذا الوهم الذي أدخلهم فيه عبدالناصر وذلك بتوقيع السادات لاتفاق سلام مع إسرائيل في كامب ديفيد، اما الإسلاميين السودانيين فهم وان ادعوا دعمهم لفلسطين فهم مجرد هتيفة فأكبر دول الإخوان الإسلاميين وهي تركيا مطبعة مع إسرائيل وكذلك قطر طبعت من قبل واستقبلت الرئيس الإسرائيلي بالاحضان في الدوحة. اما الشيوعيين السودانيين فهم ايضا مجرد هتيفة فالاتحاد السوفيتي القوة الشيوعية الأعظم في التاريخ ومقر ومنبع الشيوعية كان اول دولة في العالم تعترف اعترافا قطعيا بدولة الاحتلال الإسرائيلي وذلك في عام ١٩٤٨ ، وما تزال روسيا على ذات التطبيع وكذلك الصين، فهل شيوعيي السودان شيوعيين أكثر من أصحابها! اما موقف حزب الأمة القومي فلا امتدادات خارجية له، هو موقف مبدئي خاص بالحزب وقيادته، وعدم وجود شبهة ايدولوجية فكرية خلف موقف حزب الامة القومي كما هي الحال عند القوميين والاسلاميين والشيوعيين هي نفسها دلالة على أن القضية ليست أكبر من الوطن داخل حزب الأمة القومي وليست من القضايا التي قد تقوده إلى التحالف مع آخرين بطريقة قد تهدد تماسك المرحلة الانتقالية الراهنة، فالأمة مرشح بالفوز بأول انتخابات ديمقراطية قادمة ويمكنه وقتها بعد التفويض الشعبي ان يقطع العلاقات مع إسرائيل.
الحكومة الانتقالية لم تتعامل مع خطوة التطبيع بطريقة جيدة، الحاضنة السياسية الآن في موقف غاضب، نتمنى أن لا يتحول هذا الموقف الغاضب إلى خطوات تصعيدية ضد الحكومة الانتقالية فالخاسر لن يكون سوى السودان والمستقبل الديمقراطي، وإنما ندعو الحاضنة إلى الإسراع بتكوين المجلس التشريعي ولتتحول المعركة حول هذه القضية إلى قبة البرلمان ووقتها من يكسب هو من سيشكل السياسة الخارجية في هذا الاتجاه.
sondy25@gmail.com