أعظم فشل للحكومات السودانية عبر التاريخ كان هو تغذية وتنمية شعور منهار ومتردد بالوطنية في المواطنين، هذا الشعور يتطور في كثير من الاوقات الي شعور باللاوطنية او بالتوهان عن معنى الوطن، هذا الشعور المبهم بالوطن والاحساس المحبط بالوطنية هو السبب لكثير من المشاكل التي تواجه الحكومة الانتقالية الآن.
هذا الفشل يرجع بدرجة أساسية إلى غياب الرؤية لكثير من القيادات التي تسنمت السلطة في البلاد، معظمها إستغلت السلاح للوصول إلى السلطة بدون مشروع واضح وبدون فكرة وطنية جوهرية تقود إلى نموذج بناء دولة عصرية، لهذا يظهر التاريخ تخبطهم في تبني توجهات بين غربية، شرقية، قومية، يسارية راديكالية، يمينية راديكالية، هذه التوجهات المضطربة والشعارات المتناقضة التي فرضها الحكام على الشعب بلا اختيار منه فخخت الشعور الجمعي بقناعات ملتبسة حول الوطن وألبست السياسة ثوب من الخداع والانتهازية والتناقض، وصار الحاكم مهما بلغ من الحيادية والنزاهة مشكوكا في ذمته إبتداءا وغير مأمون حتى يترجل عن السلطة.
تناقضات الحكام أفرزت تنميط للشخصية السياسية في ذهن الشعب، حيث يعرف السياسي بانه شخص يستغل كل شيء من أجل الوصول الى كل السلطة بلا أي محددات أخلاقية، الرفض الشعبي لهذه الصيغة ومحاولة تجاوزها قاد الى مرحلة تحول فيها جميع السودانيين الي سياسيين، تقمصوا شخصية السياسي لفهم التناقضات ونقدها وتجاوزها او اصلاحها وبالتالي الخروج من دائرة الفشل، ولكن مع الايام قاد هذا التقمص غير الواعي الى تسطيح لوظيفة السياسي، مما جعل الاحزاب السياسية والحكومات مليئة بجوقة من الهتيفة الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى قيادات مناط بها التقرير في مصير الامة.
هذا الامر حدث في جميع الحكومات العسكرية التي اتت برؤساء لا يصلحون للقيادة أسلموا أمر الأمة لمجموعة من المهرجين والسوقة، ولأن الوضع أصبح سوقا من المنافسة السمجة والشعارات والضجيج، لم يستطيع الكادر الوطني المؤهل طيلة مراحل الدولة الوطنية- إلا ماندر- ان يحصل على فرص حقيقية في قيادة الدولة، وهذا انتج إختلالا فظيعا في ميزان النمو والتطور للدولة، وهو ما نعيش اليوم تجلياته. فهل تستطيع الثورة وضع حد لهذه الحلقة الفاشلة والتسطيح المخل لوظيفة السياسي؟ لم يظهر بعد من الحاكمين ما يقوي الشعور بذلك ولكننا نأمل، فالفرصة الراهنة اذا ضاعت لن تتكرر قريبا.
sondy25@gmail.com