بدأت الورش المشتركة بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال/الحلو حول القضايا الخلافية مثل العلمانية التي يصر عليها الحلو بصورة لا تتماشى مع اي منطق، فالحلو معروف أنه وقع اتفاقية سلام مع الكيزان ضمن اتفاقية السلام ٢٠٠٥، بل وأصبح نائبا للوالي أحمد هارون لمدة تجاوزت الخمس سنوات، ولم يصرح خلالها لا بالعلمانية ولا الانفصال. وحتى حين عاد مجددا لمحاربة الإنقاذ لم ينطلق من منطلق الفرقة الدينية وإنما كانت الحجة هي تزوير انتخابات ٢٠١٠ التي دخلها الحلو جادا بينما انسحبت منها جميع الأحزاب السياسية بعد استيقانها بأنها انتخابات فاقدة للمصداقية وغير نزيهة، ولكن الحلو كان مصرا على ( الهجمة أم النجمة ) .
فرض العلمانية في الوقت الراهن وفي ظل حكومة انتقالية لا تملك اي شرعية كاملة للبت في مثل هذه القضايا سوف يكون مجرد ترحيل للازمة وتسكين مؤقت ( للهجمة ) القادمة، فأي حكومة منتخبة سوف تراجع مجددا بسندها الشرعي جميع الاتفاقيات التي لا تلبي تطلعات الجماهير ولن تمر أي اتفاقية فرضت فرضا على الحكومة الانتقالية، وهو نفس الشيء الذي سيحدث في قضية التطبيع في غالب الأحوال. لذلك ليس مطلوبا من وفد الحكومة الانتقالية البحث عن سلام مؤقت بأي كلفة، بل يجب أن يواصل الوفد الدفاع عن موقفه المعلن من قبل حول ان قضية الدين والدولة يفصل فيها المؤتمر الدستوري ولا يمكن الفصل فيها في اتفاقية ثنائية.
اتفاقية جوبا للسلام التي وقعتها الحكومة الانتقالية مع الجبهة الثورية بما فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال/عقار حملت تعريفات ممتازة ومتماسكة لقضية الدين والدولة وهي المستوى الذي يمكن أن يقود إلى دولة طبيعية قوتها في تنوعها، في باب المبادىء العامة تنص اتفاقية جوبا على أن المواطنة بلا تمييز هي أساس كل الحقوق والواجبات وتقتضي أن تقف الدولة على مسافة متساوية من الأديان دون انحياز. وهو نص قديم ليس جديد موجود ومتفق عليه في معظم ان لم يكن كل مباديء اللقاءات والتحالفات والاتفاقيات التي سيطرت على الساحة السياسية منذ مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية في عام ١٩٩٥، وبالتالي هو تعريف متفق عليه بين كافة أحزاب وفصائل السياسة السودانية ولا يشذ عليه الا الحلو.
كذلك نصت اتفاقية جوبا للسلام على تكوين المفوضية القومية للحريات الدينية، ونصت الاتفاقية على أن الطرفان يؤكدان على حرية الأديان وكريم المعتقدات وعلى ضرورة التسامح والتعايش الديني، هذا فضلا عن أن اتفاقية جوبا أعطت المنطقتين( النيل الأزرق، جنوب كردفان ) حكما ذاتيا بصلاحيات استثنائية وتمييز ايجابي للحد البعيد في قضايا الثروة والسلطة ودعم الهوية المحلية في إطار الهوية الجامعة، وهي نصوص بكل المقاييس موضوعية تماما وتتماشى مع طبيعة البحث عن ما يجمع لا ما يفرق، وتمتين الاواصر لا قطعها، وإحلال السلام لا نقر طبول الحرب، وهو ربما الفرق الجوهري الذي ظهر بين حركة عقار وحركة الحلو، الفرق بين حركة سلام وحركة حرب، حركة وحدة وحركة انفصال، فهل سيواصل الحلو مساره الشاذ ام يستجيب لنداء الوطن وصوت الثورة.
sondy25@gmail.com