الأسبوع الماضي، اضطرت شرطة جنوب دارفور إلى إخلاء أحد أكبر أقسامها، بعد ما تعرّضت لضغوطٍ من قوات الدعم السريع، ووفقاً لـ “سودان تربيون”، أصدر مدير الشرطة توجيهات بالانتقال إلى مَقرٍ آخر، بعد ما أمهلت قوات الدعم السريع، الشرطة (48) ساعة لمُغادرة المبنى الذي يقع ضمن أراضٍ اشتراها قائد الدعم السريع.
مدير الشرطة اتخذ الإجراء السريع، خوفاً من الاحتكاك مع قوات الدعم السريع.. ترد الأنباء في كل مرة عن احتكاكات هنا وهناك بين هذه القوات وتلك، وتصل في بعض الأحيان إلى اشتباكات، والأمر كلُّه يبدو واضحاً أنّه خارج السيطرة على النحو الذي لا يصدقه كثيرون.
ظلت التصريحات الرسمية على مدى سنوات، تتحدّث عن فرض هيبة الدولة في إقليم دارفور، والذي لا جدال فيه أنّ دارفور خارج سيطرة الدولة، بينما تحت سيطرة المليشيات والقبائل بإحكام.
أفرزت سنوات الحرب والدم واقعاً سيئاً في دارفور، عطفاً على فقدان عشرات الآلاف من الأرواح والدمار الذي لَحِقَ بكل الإقليم، خرج كل الإقليم عن سَيطرة الدولة حتى بعد انحسار العمليّات العسكريّة بين الحكومة والحركات، التي أعلنت الحكومة مراراً أنّها انتهت.
الأسوأ من الصراع المُسلّح بين الحكومة والحركات المُسلّحة، وهذا من المُؤكّد سوف تحسمه تسوية سياسية ليست بعيدة، لكن المَحك، كيف تُعيد الدولة فرض هيبتها، وتنتزع السَّيطرة من المليشيات الحليفة للحكومة والتي سَاندتها في القتال منذ تفجُّر الأوضاع.
ثُمّ هل أصبحت قوات الدعم السريع تشتري وتبيع باسمها مستقلةً عن الجيش، ألم تتبع للقوات المُسلّحة بعد إجازة قانونها مطلع العام.
مَن يزور دارفور ويتعمّق في قراءة الوضع، سوف يخلص إلى سُؤالٍ كَبيرٍ، كيف تنتزع الحكومة سَيطرتها من هذه المليشيات والقبائل التي دَعمتها وقاتلت لها لنحو (14) عاماً.. هذه المجموعات بمُختلف مُسمّياتها ترى في نفسها الدولة ولا سُلطة تعلو عليها، وهي لا تَعترف بحكومة ولا بغيرها، فقط تعترف بقوة السلاح.
هؤلاء يَستمدون قُوتهم وثقتهم من أنّهم يُقاتلون نيابةً عن الحكومة، بل يعتقدون بشكلٍ جازمٍ أنّ بقاء الحكومة طيلة هذه السنوات ما بعد حرب دارفور، بفضلهم هم.
انتشار السلاح في دارفور، كَمَا وصفه والي شمال دارفور في حواره مع (التيار) قبل أيامٍ أصبح مثل (النبلة) كل طفل حامله، وأقرّ بالعجز الرسمي في السيطرة على هذا الوضع.. لكن إنْ كَانَ جبل من الذهب خارج سيطرة الدولة، والشركات التي تعمل فيه لا تمر عبر وزارة المعادن، فكيف يصبح الحديث عن فرض هيبة الدولة منطقياً..؟
لن نستغرب إذا خرجت مجموعة مُسلّحة وأمهلت سُكّان دارفور أياماً لإخلائها، بحجة أنّها اشترت الأرض.