تلفح بعلم السودان في يوم من أيام اعتصام القيادة، وفي غفلة من الثورة تحول الى بطل من أبطالها، وفي غفلة من غفلات حمدوك (وما أكثرها)، اعتلى منصب والي الخرطوم وتحكر فوق كرسيها، وطرح برنامجه على وسائل الإعلام المختلفة، وكان برنامجاً طموحاً، واستبشر أهل الولاية خيراً بمقدم الوالي المدني، صاحب البرنامج المتميز لحل مشكلات واحدة من أكثر ولايات السودان ازدحاماً بالسكان، والأكثر تعقيداً في مشكلاتها.
ولا نعدو الحقيقة في شيء إذا قلنا إن حاكم ولاية الخرطوم لا يقل أهمية عن رئيس الوزراء، أو حتى رئيس من مجلس السيادة؛ لأنه الحاكم الفعلي لثلث سكان السودان، وفي منطقة جغرافية واحدة، وبها ٩٠% من النشاط الاقتصادي والتجاري والسياسي للسودان، ومركز لكل علاقات السودان الدولية، وبصورة أكثر دقة هو يمثل السودان المصغر بكل تعقيداته الحياتية وتقاطعاته الكثيرة، ومركز يجمع كل إثنيات السودان من شرقه وغربه وشماله وجنوبه.
ولاية بهذا الحجم، وهذه الأهمية البالغة من المفترض أن يكون واليها أيضاً بحجمها. كما أسلفت، فإن استلام خالد نمر للولاية كان مصحوباً بزخم إعلامي ضخم، وبرنامج عمل لاقى القبول من كل سكان الولاية، وانتظرنا تنفيذ هذا البرنامج على أرض الواقع.
للأسف الشديد كانت المحصلة حتى اللحظة صفرية، ولم نعد نسمع بأي نشاط للوالي، أو أي قرارات إلا قرارات إعفاء فلان وتعيين علان. يومياً نسمع قرار من الوالي بإعفاء مدير الجهة الفلانية، وتعيين اخرين، كأن الوالي ليس له عمل او إنجاز إلا الإعفاءات والتعيينات في الادارات المختلفة، التي تتبع ولايته.
وبينما هو يقوم بعمليات الإحلال والإبدال في الوظائف تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق داخل ولايته.
وأذا أخذنا نظافة الولاية كمثال ،ورغم أنه وضع برامج لنظافة الولاية، وتم تكثيف الهالة الاعلامية حول برنامجه، وبدأت عمليات جمع القمامة أمام عدسات كاميرات التلفزيون ليومين أو ثلاثة، وانتهى الامر .
ثم بعدها تحولت الخرطوم أكبر مكب للنفايات والأوساخ في العالم. ومن المؤسف جداً أن نقول إن الخرطوم الآن في حالة يرثى لها من النظافة بشكل غير مسبوق في عهد أي والٍ سابق.
وقس على ذلك التدهور المريع والمخيف في كل أوجه الحياة في عاصمة البلاد. شوارع الأسفلت تآكلت دون إجراء لأي عمليات صيانة وقائية. أعمدة إنارة الشوارع معظمها سقطت، والتي لم تسقط لا تضيء لمباتها. المواصلات داخل العاصمة، وهي أم الكبائر… فوضى في تحديد الاسعار، وفوضى في خطوط عمل الحافلات. المواطنون يقفون بالساعات الطويلة في انتظار الفرج الذي لا يأتي .. المشروعات الزراعية الكبيرة داخل الولاية في أسوأ حالتها، والذي لا يصدقني فليسأل عما يجري في مشروع السليت الزراعي كمثال، وكيف تدهور المشروع الى درجة مخيفة تنذر بتوقفه عن الإنتاج بشكل كامل، إذا لم يتم تدارك الأمر سريعاً، وفض الاشتباك الحادث بين وزارة الزراعة الولائية وشركة زادنا في إدارة هذا المشروع الذي كان عملاقاً في يوم من الايام .
ما ذكرته غيض من فيض وهي تمثل فقط بعض عينات الفشل الذي يمشي على قدميه في إدارة ولاية الخرطوم وما خفى أعظم بكثير مما ذكرته .
أعلم أن مقالي هذا لن يعجب البعض، وخاصة الاخوة في حزب تجمع الاتحاديين، الذي يتبع له الوالي خالد نمر. وأقول لهم إذا أنتم حريصون على الاستمرار في حكم ولاية الخرطوم، فالوالي الحالي أقل قامة من هذه الولاية، حتى الان لم يقدم ما يشفع له كي يستمر والياً.
ومن نافلة القول هنا إن نقول إنه عندما يتم انتقاد أي مسؤول في الدولة ينبري لك أعضاء حزبه، ويتم وصفك بالكوز تارة، وبالعنصر المندس تارة أخرى، وذلك لعمرى هي المحاصصة في أبشع صورها، ومن لا يصدقني فليقم بكتابة أي نقد في مدير شركة مواصلات العاصمة، وعليه أن ينتظر ما سيلاقيه من أعضاء حزبه. وهذا مثال فقط، والبقيه مثله، وقد نسي هؤلاء أننا عندما ننتقد لا ننتقد عضو حزبكم بصفته الحزبية، ولكن لكونه رجلاً يتقلد منصباً رسمياً في الدولة .
كان الله في عون مواطن عاصمة البلاد.